مَن يتابع إنفاق الدولة وبذلها وعطائها المنقطع النظير وحرصها على التقدم والوصول إلى مصاف الدول الكبرى والعظمي والارتقاء بنا لنكون في العالم الأول لا يمتلك إلاّ أن يتفاءل، ولكن من المؤسف أن ذلك التفاؤل لن يدوم طويلاً، وقد ينتهي في أول مصافحة للواقع المؤسف الذي نعيشه من خلال التناقضات والاختلافات التي تبعث على الإحباط والتبعثر والتشرذم. فأول ما يبعث للحيرة هو الإصرار على شل نصف المجتمع وتجميده، وعدم الاستفادة من قدراته في تنمية المجتمع، فتجد قرارًا وزاريًّا يصدر بتشغيل النساء، وتقابله فتوى بتحريم ذلك! وعلى سبيل المثال لا الحصر، قضية عمل المرأة بوظيفة محاسبة (كاشير)، ثم نعود بنفس الموضوع في قضية قيادة المرأة، فهناك مَن يؤيّد، وهناك مَن يرفض ويمانع. ثم تأتي لقضية تعليم الصغار من الصبيان في مدارس البنات، ويتلوها استخدام التقنيات الحديثة من أجهزة ومعدات وحواسيب صُنعت لتسهل أمور الحياة، ونجدها عندما تدخل حدودنا أصبحت عبئًا علينا، تثقل أعمالنا وتبطئ منها، وعلى سبيل المثال استخدام الحاسب في الدوائر الحكومية والمؤسسات، فكم عطلت تلك الحواسب أعمالنا لأيام، أو على أقل التقدير لساعات طويلة؛ بحجة أن الحاسب متوقف، أو تحت الصيانة؟ فبدلاً من اسطوانة راجعنا بكرة، تم تسجيل اسطوانة راجعنا السبت المقبل. وحتى إن استطعنا التغلب على تلك المشكلة، فنحن نختلق المشكلات لتعطيل الأمور، وعدم الاهتمام بالعميل، ولا بوقته الثمين، ولا بصحته، فعلى سبيل المثال عندما تضطر إلى الاتصال برقم خدمي لإحدى شركات الاتصالات لإصلاح عطل، أو تعديل خطأ، أو الاستفسار عن فاتورة حسابك، تجد أنك وبدون سابق إنذار تقع فريسة في شباكهم، ويبدأ الحاسب يعدد عليك محاسنهم، ومناقبهم، وما هو الجديد لديهم لاستنزافك، وإهدار وقتك وصحتك وثروتك. وتنتهي المكالمة دون أن تستفيد، أو تحقق رغبتك وطلبك. وهكذا هو المنوال ويسرى على حجز تذاكر الطيران وغيرها من المؤسسات الخدمية التي تضع دائمًا شعارات براقة، ويومًا تجدنا نفرق بين الحجازي والنجدي والشرقي والغربي، ويومًا آخر نشجع المزايين وآخر ننبذ القبلية والتعصب لها ونفرق بين المواطنين حسب جغرافية موقعهم، وغيرها ممّا لا يخفي على الجميع. ولا أعلم كيف يمكن لأي منا أن يجيب على أسئلة أبنائنا الصغار عندما يتساءلون كيف أن قاتل والدته مصاب بمس من الجن، وهل من مس بالجن لا يعاقب أيّا كان مرتشيًا أو مجرمًا، وكيف يمكن إثبات أن هذا الشخص به مس من الجن من عدمه؟ أفتوني يا أولي الألباب.!! وقد يدور بذهنك أسئلة عدة لا تجد الإجابة عليها ومنها: هل المرأة السعودية تختلف عن نساء العالم؟ وهل الرجل السعودي متوحش لدرجة أنه سيهاجم أول امرأة ستقابله في الطريق، أو في أي مكان عام؟ لماذا نقف مكاننا رغم كل الأموال التي تنفقها الدولة؟ هذا هو غيض من فيض، وكم أتمنى على المسؤولين الجلوس على طاولة الحوار، ومناقشة تلك الهموم للحد من تلك المتناقضات، ووضع قاعدة عريضة تحدد المسار الصحيح لخدمة المواطن السعودي، ولنثبت القاعدة لنسير دون اهتزاز، وبكل ثبات، وإلى الأمام، وننبذ التقدّم إلى الوراء!! دعوة صادقة مخلصة لوضع حل شامل لتلك المهاترات، وإيضاح الطريق السليم والواضح؛ لنسير بأمن وأمان وثبات في ظل حكومتنا الرشيدة أيدها الله. أ.د. محمد حمد الحربي - رابغ