«ما لجرح بميت إيلام»، لم تمت قضية فلسطين، ولن تموت، ولن يموت حق شعب فلسطين في العودة، ولن تصبح القدس يهودية، مهما احلولك الليل، وادلهمت الظُّلَم، فلم يمضِ على اغتصاب فلسطين سوى ستين عاماً، وستعود إذا هلك جيل الهزيمة وولد جيل الانتصار، فأعمار الشعوب لا تقاس بأعمار الأفراد، والأرض لله سيورثها أهل الحق، ولو اغتصبها مغتصب حينًا من الدهر. أقامت إسرائيل الجدار العازل فوجدت أنها هي المعزولة، ولم يزد الجدار شعب فلسطين إلا إصراراً على المقاومة، ومنعت السلاح فتحول الحجر سلاحاً، وقطعت شجر الزيتون، لكنها لم تقطع حب أرض الزيتون من نفوس أهلها، ملأت السجون، فنثرت بطون الفلسطينيات آلاف المواليد، دمّرت غزة بأسلحة الدمار، فانتصرت غزة، وحاصرتها فازدادت مقاومة، وسجنت رئيس وأعضاء المجلس التشريعي، فخرج من خرج منهم شمَّ الأنوف، كما قال محمود الزبيري، وفي هذا العام ركزت على تهويد القدس: طرداً للسكان، وتهديماً للبيوت، وإنشاء لآلاف الوحدات السكنية، والأهم من ذلك أنها تحدَّت الشعور الوطني الفلسطيني بقولها: إن ما في القدس ليس استيطاناً بل مشروعات في عاصمة إسرائيل، ثم جاءت بما اعتقدته محطماً للمعنوية الشعبية الفلسطينية بأن القدس ليست عاصمة لإسرائيل بل عاصمة لليهود، أي عاصمة لكل يهودي في العالم، وقبلها أعلنت أنها لن تنسحب من القدس والجولان إلا باستفتاء شعبي، وهي إحدى العجائب أن يُستفتى السارق لرد سرقته، ولكن لا عجب في كل ذلك فقد وصل الغرور بالصهاينة أن يلغوا مرحلة التسارع في الإعلانات ظناً أن ذلك سيغرس أقدامهم في فلسطين، ونسوا أن شعب فلسطين كشجرة الزيتون العتيقة قطعوا فروعها، ولكن لم يقطعوا جذورها الغائرة في الأرض. الصمت العربي ليس بغريب، فالبيانات الشاجبة لن تنفع فتيلاً، ولكن العجب العجاب أن يكون الرد على إعلان القدس عاصمة للشعب اليهودي هو تصريح مسؤول فلسطيني أن ذلك سيساهم في إجهاض عملية السلام، وكأن المفاوضات من أوسلو إلى المفاوضات المباشرة قد قدمت لشعب فلسطين مثقال ذرة من سلام، وكأن القدس ليست عاصمة فلسطين، وكأن حقوق شعب فلسطين قد عادت، ولكنها ينقصها ما كانت تطالب به إسرائيل وهو حدود آمنة. إن أحسن ما أحسن العرب فيه هذا العام هو عدم إصدار بيانات متسارعة كما تتسارع التحديات الإسرائيلية التي تجاوزت يهودية الدولة إلى إعلان القدس عاصمة للشعب اليهودي، ولا يأس، سينجلي ليل الاحتلال، ولكن بعد أن يقطع الله حبل الدعم لإسرائيل، ويولد جيل من أصلاب جيل الصمود الحالي في فلسطين، فيكون جيل التحرير، ولا يعلم ذلك إلا الله، كما حصل في عصور الحروب الصليبية.