في ديسمبر 1948 انسحبت روسيا من الجزء الشمالي مطالبة الولاياتالمتحدة بالانسحاب من الجنوب الكوري، وهو ما تم فعلا. فانتهزت كوريا الشمالية التي كانت أكثر تسليحا من شقيقتها الجنوبية الفرصة، فأطلقت العنان لقواتها يوم 25 يونيو 1950 متجاوزة خط العرض 38. فبدأت الأزمة الكورية التي تحولت بسرعة -في ظل الحرب الباردة- إلى أزمة دولية ظلت نيران حربها مشتعلة ثلاث سنوات. وقامت الولاياتالمتحدة بعد يومين من غزو كوريا الشمالية لحلفائها الجنوبيين بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي واستصدار قرار تم أخذه في غياب الاتحاد السوفيتي وينص على اتخاذ عقوبات عسكرية ضد كوريا الشمالية، فتشكلت وفق القرار قوة تتكون من 16 دولة. وقد طالب الرئيس الأمريكي هاري ترومان قوات حلف شمال الأطلسي البحرية والجوية أن تهب لنصرة الكوريين الجنوبيين وأن تحمي جزيرة تايوان من احتمال غزو شيوعي آخر، كما أمر القوات البرية الأمريكية المقيمة في اليابان بالتوجه إلى كوريا الجنوبية. ويتكون التحالف الذي حشدته أمريكا -بغطاء من الأممالمتحدة- من الدول التالية: أستراليا وبلجيكا ولوكسمبورج وكندا وبريطانيا وكولومبيا وأثيوبيا واليونان وهولندا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا وتايلند وتركيا، في حين بعثت الدنمارك والهند والسويد فرقا طبية. وقاد هذه القوات الجنرال الأمريكي دوغلاس ماك آرثر الحاكم العسكري لليابان يومئذ. وكان المخطط العسكري الكوري الشمالي صارما، فبعد خمسة أيام من الغزو دخلوا سول عاصمة كوريا الجنوبية يوم 28 يونيو وحاصروا خصومهم في قطاع أرضي ضيق حول المدينة الساحلية “بوسان” في الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة الكورية. وجاء رد فعل الولاياتالمتحدة بعد شهرين ونصف، ففي 15 سبتمبر 1950 قام الجنرال الأمريكي ماك آرثر بإنزال بحري خلف خطوط الدفاع الكورية الشمالية، وتحصنت قواته قرب إنشون وهي مدينة ساحلية في غرب كوريا الجنوبية وتبعد عن العاصمة سول 40 كلم غربا. ولم يمض أسبوعان حتى تجلى النصر الأمريكي على الكوريين الشماليين فتمت استعادة سول عاصمة الجنوب يوم 28 سبتمبر، كما تم إرغام الكوريين الشماليين يوم الثلاثين من نفس الشهر على التراجع إلى حدود خط العرض 38. وأمر الرئيس الأمريكي هاري ترومان -إمعانا منه في ضرورة التخلص من الشيوعيين- الجنرال ماك آرثر وقواته بتجاوز خط العرض 38 وتتبع جيوش الكوريين الشماليين حتى يتم إخراج آخر شيوعي من شبه الجزيرة الكورية. وفي 7 أكتوبر 1950 دخلت القوات الأممية تحت الزعامة الأمريكية كوريا الشمالية واحتلت يوم 18 من الشهر نفسه بيونج يانج العاصمة. ولم يحل ال 25 من ذلك الشهر حتى وصلت بعض طلائع جيش الجنرال ماك آرثر إلى ضفاف نهر “يالو” الفاصل بين شبه الجزيرة الكورية والصين. وما إن وصلت هذه القوات حدود الصين حتى هب الجيش الشعبي الصيني السادس بقيادة الجنرال “لين بياو” الذي دخل مع الأمريكيين وحلفائهم معركة حاسمة تراجع إثرها الجيش الأممي، فاستغل الصينيون نجاحهم وطفقوا يهاجمون الأراضي الكورية. وكانت الظروف لصالح الجيش الصيني حيث كان البرد قارسًا، وجنود الجنرال ماك آرثر مشتتين، والجيش الصيني المهاجم بلغ في النهاية 340 ألف جندي ومجهز تجهيزا أقوى من تجهيز الجيش الأممي. وبفضل الجيش الصيني المهاجم عادت بيونج يانج إلى الشيوعيين بعد سبعة أسابيع من الاحتلال الأمريكي أي يوم 4 ديسمبر 1950. وبعد شهر من ذلك أعاد الصينيون احتلال سول يوم 4 يناير 1951. ثم قام الجيش الأمريكي الثامن يوم 21 يناير 1951 بمؤازرة القوات الأممية بهجوم كاسح على الجيش الصيني في كوريا الجنوبية خلال عملية عرفت باسم “عملية كيلر”. وتمت استعادة سول يوم 14 مارس من العام نفسه بعد الانسحاب الصيني منها. وظل الجيش الأمريكي يزحف شمالا حتى وصل إلى خط العرض 38 وتجاوزه قليلا في 22 أبريل 1951. وكان الجنرال ماك آرثر حريصا على متابعة الهجوم العسكري فتم عزله وتعيين الجنرال ماثيو ريدجواي الذي كان أكثر اعتدالا من سلفه، وهي إشارة أمريكية إلى تغيير في الاستراتيجية. وكانت أعداد الجيوش المحاربة في الأزمة الكورية كالتالي: * الولاياتالمتحدة: 260 ألف جندي. * الأممالمتحدة: 35 ألف جندي. * كوريا الجنوبية: 340 ألف جندي. * كوريا الشمالية والصين مجتمعة: 865 ألف جندي. ولعب السلاح الجوي دورا هاما وحاسما في معارك الحرب الكورية، فلأول مرة وبعد الحرب العالمية الثانية تم استعمال الطائرات العسكرية ذات المحرك. كما برزت قوة الصين في مجال الهجوم الجوي فكان لديها 1400 طائرة عسكرية نصفها من نوع ميج 15 السوفيتية التي كانت يومها أفضل طائرة عسكرية في العالم. ولم يتم التغلب على قوة الطيران الصيني إلا بعد أن طورت أمريكا تلك السنة طائرة إف 86 وبها استطاعت مجاراة الميج 15. وقد ركزت أمريكا على قطع طرق إمدادات الجيش الصيني، وعلى تدمير مطارات كوريا الشمالية والسكك الحديدية والجسور والمعامل الكهربائية والمراكز الصناعية. كما قصفت القواعد الكورية الشمالية الواقعة على الشواطئ. وعرفت الحرب الكورية معاملات وحشية من كلا الطرفين، فقد اتهمت كل من كوريا الشمالية والصين الولاياتالمتحدة باستعمال أسلحة بيولوجية ضد جنودهما، كما تعرض الأسرى من الجنود الأمريكيين وحلفائهم إلى أبشع أنواع التعذيب على أيدي الشيوعيين. وقد بلغ عدد الخسائر البشرية ما بين قتيل ومفقود وجريح نحو أربعة ملايين شخص، وكان ضحايا المدنيين ضعف ضحايا العسكريين. ويتوزع الضحايا كالتالي: * كوريا: 147 ألف جندي كوري جنوبي قتيل و210 آلاف جريح. 300 ألف جندي كوري شمالي قتيل و220 ألف جريح. كما تجاوز عدد ضحايا المدنيين الكوريين مليوني قتيل. * الولاياتالمتحدة: 157530 ضحية مات منهم 23300 في ساحة المعارك. * حلفاء الولاياتالمتحدة (الجيش الأممي) 16532 ضحية منهم 3094 قتيلا. * الصين: 900 ألف ضحية منها 200 ألف قتيل. ومنذ 23 يونيو 1951 وبعد سنة من المعارك الحامية أصبح الصراع الكوري بين طرفين لا غالب ولا مغلوب بينهما، فلا الأمريكيون وحلفاؤهم دحروا المد الشيوعي في شبه الجزيرة ولا الشيوعيون الكوريون وحلفاؤهم الصينيون استطاعوا توحيد شطري كوريا تحت اللون الأحمر. وقد عرض ممثل الاتحاد السوفيتي في الأممالمتحدة إلى وقف لإطلاق النار، ولم يتم التوصل إلى اتفاق بين الأممالمتحدة والصين إلا في 27 يوليو 1953 بقرية “بانمونجوم” الواقعة على خط العرض 38 الفاصل بين الكوريتين.