قبل أيام قليلة، اجتمع وزراء العدل في دول مجلس التعاون الخليجي في الكويت، وكان ضمن الأجندة وثيقة مسقط للنظام الموحد للأحوال الشخصية في دول المجلس. وهي وثيقة عُرضت لأول مرة قبل سنوات طويلة، ولم تقرها المملكة باعتبار أن القائمين على القضاء -آنذاك- لا يعترفون بتقنين ولا قانون، ولا نظام، ولا آلية موحدة، بل هو الاجتهاد المحض من قضاتنا الأكارم. وثيقة مسقط خطوة متقدمة في ميدان حماية الأسرة، وضمان حقوق كل فرد فيها، وفيها تفصيل متكامل لكثير من الأحكام المتذبذبة حتى الساعة في محاكمنا. ومن أهم بنود الوثيقة تحديد سن الزواج ببلوغ 15 سنة لا أقل، وكذلك منح الأم حق حضانة أبنائها بعد الطلاق، وهي ممّا لا يتسق مع الغالب الأعم في محاكمنا التي تمنح الحق للأب، بمجرد بلوغ الطفل السابعة من عمره، بل وحتى دون ذلك إذ يحتفظ الأب بالطفل ريثما يتم البت في القضية عبر المحكمة، ثم يعمد الأب إلى التلاعب والتغيّب والتعذّر لتمر سنة تلو سنة حتى يبلغ الطفل 7 سنوات، وتؤول إليه الحضانة تلقائيًّا. وتنص الوثيقة أيضًا على عدم جواز استبدال حضانة الأولاد بالخلع، وتلك خطوة حضارية أخرى تقضي على كثير من التلاعب بمستقبل الأبناء وبمشاعر الأم. ومنحت الوثيقة القاضي حق البت فيما يُعاد من الصداق عند الخلع، فإن كانت الإساءة من الزوجة يقرر القاضي نسبة ما يُعاد للزوج من الصداق، وإن كانت الإساءة كلها، أو أكثرها من الزوج بقي الصداق من حق الزوجة. وثمة بنود أخرى تعالج معظم ما يرد إلى محاكمنا اليوم من قضايا تستمر سنوات طوالاً أحيانًا حتى صدور الحكم، ومثلها لتنفيذ الحكم؛ ممّا يدخل في باب تعطيل سير العدالة، ورد الجور، وحفظ الحقوق. الوثيقة يا أيُّها المعنيون بها عمل يستحق الشكر، وجهد محله التقدير، ومضمون واجبه التطبيق، خاصة وأن محاكمنا تعج بألوف القضايا الأسرية التي يمكن البت فيها سريعًا، استنادًا إلى هذه الوثيقة الميمونة المباركة. ومشكلتنا الكبرى أن لا بديل لدينا لهذا النظام، إصرارًا منا على خصوصية مفترضة، أو تفرد واهم.