يحمل بعض ابناء جنوب السودان ممتلكاتهم التي جمعوها على مدى 30 عاما على شاحنة ويستعدون لمغادرة الخرطوم والتوجه الى ديارهم لضمان أن يؤخذ بأصواتهم في استفتاء على الانفصال من المقرر إجراؤه أوائل العام القادم. وكان مئات الآلاف من الجنوبيين قد تدفقوا على الشمال على مدى العقود السابقة هربا من الفقر والصراع على أمل أن يجدوا حياة أفضل في مخيمات النازحين المتداعية حول الخرطوم. والآن يخطط كثيرون للعودة من الخرطوم الى جوبا عاصمة الجنوب التي تبعد 1200 كيلومتر بالطائرة وهي أبعد كثيرا عن طريق البر او النهر وذلك للمشاركة في الاستفتاء المقرر إجراؤه في التاسع من يناير على ما اذا كان الجنوب سيعلن استقلاله او سيستمر جزءا من السودان. ويحق للجنوبيين الذين يعيشون في الشمال وثماني دول أخرى خارج السودان الإدلاء بأصواتهم حيث هم. وأقيمت مراكز للتسجيل في أنحاء العاصمة السودانية، لكن كثيرين يخشون من التعرض لأعمال انتقامية اذا اختار الجنوبيون كما هو متوقع على نطاق واسع الاستقلال كما يخشون أن تتلاعب سلطات الشمال بالأصوات للاحتفاظ بالسيطرة على الجنوب المنتج للنفط. وقال طالب وهو يتحدث بصوت خفيض بينما كان يساعد في تحميل أسرة معدنية ومقاعد بلاستيكية تخص جيرانه خلال إقامتهم في الشمال في شاحنة تتجه الآن الى قرى حول بلدة بانتيو بولاية الوحدة في الجنوب "سأعود لأنني أريد التصويت في الجنوب، ولقد خفض صوته لسبب. فقد وصل بعد ثوان مسؤول يحمل ملفا عليه اسم حزب المؤتمر الوطني الحاكم. رفع الطالب صوته وغير نبرته قائلا " لا. لا علاقة لهذا بالاستفتاء. لسنا مهتمين بالسياسة. هذه مجرد عودة طبيعية." وبعيدا عن الشاحنة في قلب معسكر مانديلا للاجئين في الخرطوم أبدى الشيخ المسن ثون ديود تشول درجة أقل من الحذر قائلا "هناك استفتاء قادم والناس عائدون... اذا لم يكن هناك من يستطيع تنظيم النقل فسنعود سيرا على الأقدام"، وقال تشول ماكويج وهو رجل مسن من الجنوب "الناس خائفون. سمعوا شائعات بأنه لن يتاح لهم العلاج الطبي بعد الاستفتاء... اذا صوت هنا فربما يغيرون صوتي الى صوت لصالح الوحدة." ويذكي انعدام الثقة في الشماليين بعد الحرب الأهلية التي دامت طويلا الكثير من هذه المخاوف. ولم تفد تصريحات أدلى بها وزراء شماليون في الآونة الأخيرة في تعزيز الثقة بل هزتها بعد أن قالوا أن الجنوبيين سيفقدون حقوق مواطنتهم في الشمال بعد التصويت لصالح الاستقلال بل وقد يحرمون من العلاج في المستشفيات الحكومية، علاوة على ذلك أعطت الحركة الشعبية لتحرير السودان المهيمنة على الجنوب إشارات واضحة بشكل متزايد على أنها تفضل أن يصوت معظم الجنوبين في الجنوب. وظهر أول مؤشر على إحجام الجنوبيين عن التصويت في الشمال يوم الإثنين وهو اليوم الأول لتسجيل الناخبين من أجل الاستفتاء، وقال اليو قرنق اليو المتحدث باسم المفوضية المنظمة للاستفتاء إن الآلاف قضوا ذلك اليوم مصطفين امام اكثر من 2623 مركز تسجيل في أنحاء الجنوب بينما لم تسجل مراكز كثيرة أنشئت في الخرطوم سوى حفنة من الاسماء، وقال اليو "نسبة الإقبال في الشمال كانت منخفضة جدا بسبب المخاوف التي يشعر بها الناس. إنهم لا يريدون تحديد هوياتهم"، وأضاف "يوجد الكثير من الترويع لأنه ليس من مصلحة حكومة الخرطوم أن ترى ابناء جنوب السودان وهم يدافعون عن حقهم في الاستقلال." والجنوب وصل الالاف إلى روبكونا في ضاحية بانتيو عاصمة ولاية الوحدة، واطلقت سلطات جنوب السودان برنامج "عودوا الى دياركم للاختيار"، الحملة التي بلغت كلفتها 25 مليون دولار لاعادة حوالى 1,5 مليون جنوبي يعيشون في الشمال الى ديارهم قبل موعد الاستفتاء. وهذا التدفق المفاجىء اربك السلطات المحلية التي ارغمت على مصادرة خمس مدارس في بانتيو لايواء الوافدين الجدد موقتا لان الامطار اعاقت الوصول الى بعض القرى خصوصا في مايوم وابييمنوم، وقال مسؤول في منظمة انسانية في بانتيو طلب عدم كشف اسمه "انها فوضى عارمة"، واضاف "لم يكن هناك استعدادات على الاطلاق وصدمنا عندما رأينا ان خمسين حافلة وصلت مطلع نوفمبر خلال يومين. كنا نظن ان الحكومة ستقود العمليات واننا سنقدم الدعم لها، لكن الامر عكس ذلك تماما!". واقر الحاكم تابان دينغ غاي بان عودة هؤلاء "المواطنين" ليست مسألة سهلة مقللا من صعوبة اوضاعهم، وقال "سيواجهون مشاكل لكنها لن تكون مختلفة عن تلك التي واجهوها في الشمال (...) نأمل بان نتخطى هذه الصعوبات مع شركائنا".