* يتساءل المرء بكثير من الدهشة والاستغراب وهو لماذا لا تتوقف التيارات والأحزاب العربية والإسلامية والموغلة في تشددها نحو اليمين واليسار عند هذه النصوص النبوية الداخلة على الإعجاز في صياغتها ومضمونها ودلالاتها، ومن ذلك خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فلقد ذكر الإمام ابن كثير في السيرة النبوية أنه صلى الله عليه وسلم أتى عرفة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرُحلت له وقال: (إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) هذه هي العبارة الأولى التي افتتح بها الحبيب صلى الله عليه وسلم خطبته وكأنه بإعلام الله له استشرف حال المسلمين وخصوصاً في عصرنا حيث يشك المسلم في عقيدة أخيه المسلم مع أنه يشاطره كلمة التوحيد والإيمان بأركان الإسلام المعروفة يستتبع ذلك الشك تكفيره له أو تبديعه أو تفسيقه ثم تأتي المرحلة الأخيرة وهي الأخطر والأسوأ وهو استحلاله لدمه، ولم تتورّع بعض التيارات عن جواز قتل الأطفال والنساء إذا ما تترس بهم أصحاب البدع من واقع رؤية أصحاب العقائد النقية والخالصة من شوائب الشرك- كما يصنفون أنفسهم- مع أن شريعة الإسلام حرمت قتل الطفل والشيخ الكبير كما حرمت الغدر والخيانة والتمثيل بجسد الإنسان وهذه التعاليم وردت في حق الأقوام الذين لا يدينون بدين الإسلام وهو ما سار عليه خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم من بعده فلقد روَى أبويوسف عن حصين بن عمرو بن ميمون رحمهم الله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال (أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم، وألا يكلفوا فوق طاقتهم) وإذا كان هذا هو حال الإسلام الحقيقي مع أهل الذمة فترى كيف تستحل الحركات المتشددة قتل من لا يؤمنون أو لا يناصرون بياناتها التكفيرية وقد قرأت أخيرا من يدافع عن القاعدة ويبرر لها أفعالها ومن يتعاطف مع السلفية الجهادية ويسعى للانضواء تحت لوائها.