اليوم يقف حجاج بيت الله الحرام على الصعيد الطاهر يناجون ربهم ويذرفون دموعهم ويبكون ذنوبهم ويتذكرون خطاياهم ويسألون ربهم خاشعين منكسرين، كأن لسان حالهم يقول: إلهي عظمت ذنوبي كثرة وقد علمت أن عفوك أعظم إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن ذا يلوذ ويستجير المجرم اليوم يوم الجوائز الكبرى الذي تتصدره مراسيم العفو والصفح والغفران من الرب الغفور الرحيم الكريم المتعال. يوم تُستجاب فيه الدعوات وتكثر التضرعات والآهات، وفيه ينكسر جند الشيطان، ويخسأ إبليس ويصيبه الخذلان. اليوم يوم الغفران الأكبر، ويوم الحصاد الأعظم، فطوبى لمن قٌبلت أوبته، وصدقت نيته، وطاب ماله، وأخلص لربه فنوى بعد الموسم خيرا وبرا وللشر هجرانا وصدا. اللهم تقبل من عبادك وامنن عليهم بفضلك ومنّك وكرمك، ولا تردهم خائبين أبدا. يا من لا تزيده كثرة أعداد السائلين إلا جودا وكرما، ولا تنقص من خزائنه شيئا استجابة مطالبهم جميعا، كما لا يزيد في ملكه شيئا صلاحهم جميعا. وغدا تستقبل الأمة عيدها الأكبر.. عيد الأضحى لتكبره على الهدى والهداية، وليسعد ضيوف الرحمن باستقبال عيدهم وأيام التشريق التي تليه بفرح وسرور، وغبطة وحبور. إنها أيام ذكر وبر، وأكل وشرب، وفرح وخير. إنها بداية النهاية للشعيرة العظيمة التي يتم بها المسلم دينه ويتوج بها رحلة عمره. الحج مجموعة من الدروس الربانية المجانية لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكورا. في الحج دروس من الصبر كبيرة تبدأ منذ انطلاقة الحاج الأولى إلى هذه الديار المقدسة.. صبر على المشقة والازدحام، وعلى التدافع وعلى التقصير المحتمل وعلى الجو القائظ وعلى الجهل الوارد، لكنه صبر ممزوج بحرارة الإيمان وصدق التوجه والرغبة في النجاح في الاختبار الرباني الذي قد لا يتكرر مرة أخرى. وفي الحج دروس للأمة تستمد منه وحدتها الغائبة ومكانتها التائهة ومهابتها الضائعة وتاريخها القديم وأثره المفقود. في الدروس فرصة لتحويل الغثاء إلى نفع، والضعف إلى قوة، والتأخر إلى تقدم. الحج جامعة سيتخرج منها، ولو بعد حين، من يقود هذه الأمة إلى عودة مستنيرة على قدر من ربها وعناية مستديمة. [email protected]