عنوان هذا المقال ليس من عندي، بل للكاتب في جريدة (النهار) اللبنانية، سركيس نعوم، الذي كتب مقالًا يوم الاثنين الماضي 8 نوفمبر بدأ به سلسلة مقالات عن العراق بعد زيارة له استغرقت عدة أيام وعنوانه: «العراق قديم يندثر وجديد ينتظر».. ووجدت أن الحديث عن انهيار العراق وحده لن يكون كافيًا لتسليط الضوء على المأساة التي يعيشها العرب هذه الأيام، فالعراق ليس الوحيد الذي يشهد (أو سوف يشهد قريبًا) انهيار تركيبته القائمة، بل جزء لا يستهان به من العالم العربي يحث الخطى في هذا الاتجاه. فالعراق يتعرض لحرب أهلية يسقط فيها العشرات من القتلى يوميًا تقريبًا في ظل حرب مذهبية قبيحة تدخلت فيها قوى إقليمية أبرزها إيران التي يبدو أن جاذبية الامتداد خارج حدودها أغوتها بالدخول في مغامرة غير محسوبة العواقب اعتقادًا من البعض فيها بأنها ستعيد أمجاد دولة فارس.. وتتحدث الصحافة الأمريكية المعنية كثيرًا بما يجري بالبلد الذي قامت باحتلاله عام 2003 وفتحت أبوابه أمام النفوذ الإيراني، عن أن إدارة أوباما ترى فيما يحدث في العراق (وكذلك في لبنان) دليلًا على أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أمريكا على طهران، بشكل مباشر أو عبر الأممالمتحدة وأوروبا، تؤتي ثمارها وأن ما يقوم به الإيرانيون في كل من العراق ولبنان إنما هو سعي إيراني للقول إن لهم نفوذًا خارج حدودهم يمكن به التأثير على الأوضاع في المناطق التي تمددوا إليها. وقد عجز الساسة العراقيون لأكثر من ثمانية شهور عن التوصل إلى تشكيل حكومة لهم نتيجة لإصرار إيران على أن يكون نوري المالكي رئيسًا للوزراء (وهو إصرار صاحبه تأييد أمريكي للمالكي) وتقول صحيفة (الواشنطن بوست) الأمريكية إن الإيرانيين كونوا قوة عسكرية خاصة لدعم هذا الترشيح مهمتها استخدام القوة بمختلف أشكالها للضغط على من يعترض على ترشيح المالكي لرئاسة الوزارة، وأوقفت المعونات التي تقدمها للحركات السياسية الشيعية التي رفضت تأييد ترشيحه.. وأنها دفعت (حزب الله) في لبنان لتصعيد المواجهة ضد المحكمة الدولية والإعداد لانقلاب ضد الحكومة اللبنانية الحالية فيما إذا واصلت المحكمة الدولية أعمالها. وكل هذه الأحداث العراقية واللبنانية انطبعت بصيغة مذهبية، وأججت الفتنة فيما بين السنة والشيعة في هذين البلدين وبثت سمومها إلى باقي أنحاء العالم العربي حيث تجاوب معها متطرفون من المذهب السني الذين أخذوا ينشطون في حملات عبر الوسائل الإعلامية ومنابر المساجد لمهاجمة الشيعة والتحذير من مخاطر مذهبهم على الدين والأمة وواجهت هذه الحملة موجة من التأجيج الطائفي الشيعي في أكثر من، بلد عربي.. إلا أن ما يلفت النظر أن حرب إبادة ضد المسيحيين العراقيين أخذت وتيرتها تتصاعد في العراق، وكان أبرزها مذبحة كنيسة النجاة في بغداد، حيث أجبر القتلة إحدى الضحايا على الاتصال هاتفيًا بقناة البغدادية التلفزيونية للقول بأن القتلة المهاجمين هم من تنظيم «دولة العراق الإسلامية» ويطالبون الكنيسة القبطية في مصر بترك فتاتين مصريتين اعتنقتا الإسلام، وحجزتهما الكنيسة حسب قول هذا التنظيم.. وهددوا بأن الحرب ضد المسيحيين ستمتد إلى مصر. وفي السودان يتهيأ سكان جنوبه لاستفتاء سيتم يوم التاسع من شهر يناير القادم حول مستقبل الجنوب السوداني الذي يتوقع أن تكون نتيجته التصويت للانفصال، ولم يقبل المعنيون بالاستفتاء اقتراحًا مصريًا بأن يطرح خيار قيام كونفدرالية سودانية ضمن خيارات الاستفتاء بحيث يبقى السودان موحدًا ولكن في إطار دولتين لكل منهما جيشها وعلاقاتها الخارجية وبعض الصلاحيات الأخرى..، بل بدأ الشماليون الموجدون في الجنوب تنظيم قوافل تتولى تهجير الشماليين وإعادتهم إلى الشمال، بينما يبقى ما بين مليون ومليوني جنوبي في الشمال بدون أن يتحدد وضعهم متى ما تم الانفصال، وتتفاعل المشاعر وتلتهب تهيئة لمن يشعل فتيل الفتنة فيها. وكشف موقع (ديبكا) الإسرائيلي في 25 أكتوبر عن أن هناك تعاونًا أخذ ينشط مؤخرًا بين أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والفرنسية لتنفيذ مخطط يهدف لتقسيم السودان إلى ثلاث دويلات ورسم خريطة جديدة له. وأضاف: إن أجهزة الاستخبارات الثلاث أقامت مركزين رئيسيين لتنفيذ مخططها يعمل الأول في تشاد والثاني مقره جيبوتي. ولا شك أن اليمن يعي أن بقاءه موحدًا وبالشكل الذي هو عليه الآن لن يتحقق طالما أن المنطقة بكاملها تتعرض للتمزيق والتقسيم، فالجنوب بشكل خاص يتفاعل بروح انفصالية قوية لن يعالجها الإصرار على أن من يرغبون في الانفصال قلة لا قيمة لها، بل يتطلب الأمر علاجًا جريئًا يحفظ لليمن وحدته ويصون دماء أبنائه. ويمكننا الاسترسال إلى أكثر من، بلد عربي وبيان مدى هشاشة وضعه في ظل الزلزال الذي تعيشه المنطقة.. وما لم يظهر حكيم في البلاد المعرضة للزلزال يعالج أزمة، بلده ويحقق شراكة حقيقية لأبناء الوطن الواحد في صيانة وحدته، وعدالة فيما بين مختلف فئات ومركبات الوطن الواحد فإن سلسلة الانهيار العربي ستتواصل في انتظار رؤية العالم العربي الجديد الذي نحن سائرون إليه، والذي لن يكون بالضرورة أفضل مما نحن فيه.. نسأل الله اللطف بالعرب جميعًا. ص.ب 2048 جدة 21451 [email protected]