وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    قطار الرياض.. صياغة الإنسان وإعادة إنتاج المكان    رئيس هيئة الغذاء يشارك في أعمال الدورة 47 لهيئة الدستور الغذائي (CODEX) في جنيف    سعود بن مشعل يشهد حفل «المساحة الجيولوجية» بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها    رئيسة "وايبا": رؤية المملكة نموذج لتحقيق التنمية    تطوير الموظفين.. دور من ؟    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    20 مليار ريال مشروعات وعقود استثمارية أُبرمت لخدمة الشرقية    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    إمدادات الغذاء لغزة لا تلبي 6% من حاجة السكان    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    «أونروا»: مليونا نازح في غزة تحت حصار كامل    الملك وولي العهد يعزيان أمير الكويت    ولي العهد يتلقى رسالة من رئيس جنوب أفريقيا.. ويرعى المؤتمر العالمي للاستثمار    ضمن الجولة 11 من دوري«يلو».. نيوم يستقبل الباطن.. والجندل في اختبار العدالة    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الهلال ضيفاً على السد القطري    « هلال بين خليج وسد»    الهلال يتوعد السد في قمة الزعماء    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    311 طالباً وطالبة من تعليم جازان يؤدون اختبار مسابقة «موهوب 2»    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    أمير تبوك يستقبل القنصل الكوري    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    بدء التسجيل لحجز متنزه بري في الشرقية    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    جازان: انطلاق المخيم الصحي الشتوي التوعوي    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    القيادة تهنئ السيد ياماندو أورسي بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية في الأوروغواي    الاحتفاء بجائزة بن عياف    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    7 أجانب ضمن قائمة الهلال لمواجهة السد    بنان يوسع مشاركات الحرفيين المحليين والدوليين    الرخصة المهنية ومعلم خمسيني بين الاجلال والإقلال    الباحة تسجّل أعلى كمية أمطار ب 82.2 ملم    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    تعليم جازان يحتفي باليوم العالمي للطفل تحت شعار "مستقبل تعليمي أفضل لكل طفل"    وكيل إمارة المنطقة الشرقية يستقبل القنصل العام المصري    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين يذهب عالم عربي يسير في اتجاهات متناقضة؟
نشر في المدينة يوم 07 - 11 - 2010

هل يسير العالم العربي اليوم في اتجاهٍ واحدٍ؟ هذا سؤالٌ لا يطرحه الكثيرون على أهميته. وإذا طُرح فالاهتمام به أقلّ من المطلوب، إمّا زهدًا في قيمة السؤال أو خوفًا من مضمون الإجابة.
فالواضحُ أنه لا توجد رؤية فكرية أو ثقافية موحدة تسير على هديها القوى التي تعمل في المجتمع العربي وتؤثر فيها. لن نتحدث عن المنظومة السياسية التي يُفترض بها أن تطرح ملامح تلك الرؤية على مستوى التنظير، أو على مستوى القوانين والأنظمة. فالرؤية مفقودةٌ أصلاً، أمّا القوانين والأنظمة فلك أن تتحدث عن تناقضها وتضاربها وعشوائيتها دونما حرج.
ولكن، ماذا عن العاملين خارج تلك المنظومة الرسمية ممّن يؤثرون في المجتمع؟ في مجالات الاقتصاد والإعلام والفن والتربية والفكر وحتى السياسة. يؤكد الواقع بقوة أن أهل كل قطاعٍ من هذه القطاعات يسيرون في اتجاهات عفوية، يتم رسمها بمزيجٍ غريبٍ من العشوائية والاجتهادات الفردية والرؤية الأيديولوجية المتحجرة والمصالح الخاصة.
لا توجد إذًا لدى العرب صورةٌ محددةٌ عليها حدٌ أدنى من الإجماع في أي قضيةٍ من القضايا. ومهما كان هذا التوصيف قاسيًا ومؤلمًًا فإنه يُعبّر عن حقيقة يعيشها كل مواطن يوميًّا ولا تحتاج إلى كثيرٍ من البحث والتحليل. والأمثلة في ذلك كثيرةٌ وتستعصي على الحصر.
بدايةً، وكمثالٍ رئيس. لا يوجد لدى العرب حدٌ أدنى من الإجماع حول مسألة الهوية. لا نتحدث هنا عن بعض الشعارات العامة التي يؤكد عليها البعض وتتحدث عن مزيجٍ ما من العروبة والإسلام، يقولون إنه يشكل تلك الهوية. وإنما نتحدث عن تصورٍ واضحٍ لطبيعة الهوية تنبني عليه خياراتٌ محددة، نظريًّا وعمليًّا، على الصعيد الفردي والمجتمعي فيما يتعلق بجميع القضايا الأخرى التي تمس الإنسان العربي.
والخلاصة أن المجتمع العربي مقسومٌ إلى شرائح تزداد تشظيًَا بفعل التطورات العالمية المعلوماتية والمعرفية والسياسية والثقافية، وحدّة تأثيرها في تلك الشرائح إلى درجة الفرز الشديد.
الأغرب أن هناك لبسًا يقترب من الأوهام لدى بعض تلك الشرائح. لنأخذ مثلاً واضحًا يتعلق بأصحاب الرؤية الإسلامية، فهؤلاء يعتبرون أن مسألة الهوية واضحةٌ ومحددةٌ عندهم. وهي تتمحور لديهم، كشريحة، حول تلك الرؤية الإسلامية. لكنهم يظنون أيضًا أن الانتماء العميق والنهائي للغالبية العظمى من شرائح المجتمع العربي الأخرى يصبّ في نهاية المطاف في اتجاه تلك الرؤية. ورغم أن في هذا الاعتقاد درجةً نسبيةً من الصوابية على مستوى المشاعر والعواطف العامة، إلاّ أن هؤلاء يقفزون فوق حقيقةٍ عمليةٍ تتمثل في أن الممارسات الأساسية والمؤثرة السائدة في ذلك المجتمع على أغلب المستويات، إن لم تكن كلّها، تتناقض مع مقتضيات الهوية المذكورة. يحاول هؤلاء تفسير الظاهرة من خلال القول بأن هذا الواقع إنما يمثل مظهرًا خارجيًّا ومؤقتًا للأزمة، وكثيرًا ما يلجؤون إلى المدخل الفقهي عبر استخدام مصطلحات مثل (المعصية)، و(الصغائر)، وما إليها لتأكيد التفسير المذكور لديهم، وإعطائه درجةً من الصّدقية من ذلك المدخل الديني.
لكن هؤلاء يغفلون عن أربع حقائق هامة على الأقل، نوردها فيما يلي:
أولاً: إن تَراكُم الممارسات العملية المناقضة لمقتضيات الهوية يُعبّر أصلاً عن أزمة انتماء إلى تلك الهوية على جميع المستويات. بدءًا من فهمها، مرورًا بالقناعة النفسية والفكرية بها، وانتهاءً بتطبيقها. وهذه المسألة في التحليل الاجتماعي ليست أزمةً صغيرةً وعابرةً مثل (المعصية) الأخلاقية التي يقترفها الإنسان، وتمحوها التوبة، أو الصدقة، أو عملٌ صالحٌ يقوم به. وإنما هي أزمةٌ حقيقية تُعتبر انزياحًا أوليًّا خطيرًا عن موقع الالتزام بالهوية.
ثانيًا: إن تراكم مثل هذه الممارسات بحدّ ذاته يُشكّل منظومةً قيميةً جديدةً قد تصبح بالتدريج أبعد ما تكون عن المنظومة القيمية للهوية الأصلية، حتى لو بقيت لفترة زمنية مؤقتة تستخدم مفرداتها وعناوينها. بل إن التحوّل من هذا المدخل حساسٌ للغاية. لأنه يؤدي تدريجيًّا وبهدوء إلى تغيير كل مضمون الهوية، ومقتضياتها الأصلية بشكلٍ خفيٍّ دون ضجيج وصخب، بحيث يتجنب ويتهرّب من عمليات الرفض والمقاومة والإصلاح، إلى أن يفرض نفسه عمليًّا في نهاية المطاف. ثم تكون النتيجةُ هويةً ما جديدة، بمقتضيات جديدة، قد تبحث لنفسها بعد ذلك عن عناوين ومفردات جديدة.
ثالثًا: إن من يُصرّون على (تجّذّر) الهوية الإسلامية للمجتمع العربي لا يدركون فيما نحسب درجة تأثير (صراع الهويات) في هذا العالم والعصر على الإنسان العربي. ولئن كان الحديث عن ذلك التجذّر صحيحًا بأي درجة خلال أربعة عشر قرنًا مضت، فإن طبيعة العصر الذي نعيش فيه لا يكاد يشبه أي شيءٍ رأته الإنسانية في تاريخها، خاصة فيما بتعلق بثورة المعلومات والاتصالات التي أصبحت من سمات العصر الأساسية. وهي ثورةٌ لا يمكن معها ضمانُ أي انتماء، خاصةً فيما يتعلّق بمسألة الهوية. إذ لم توجد في التاريخ وسائل ومداخل وأساليب ومعلومات يمكن أن تؤثر في عناصر تلك المسألة، سواء من حيث كثرة الأسئلة والشكوك والبدائل التي تستهدفها وتمسّها في الصميم، أو شيوع وتوافر معاني وقنوات الاختيار والحرية والنقد التي تُعطي للأسئلة والشكوك والبدائل آفاقًا وخيارات غير مسبوقة في مجال اتخاذ القرارات والخيارات. وهذه بأسرها عمليةٌ لم تتوفر قط في عمر البشرية للجماهير بكل شرائحها حتى الآن، بحيث يمكن أن يتأثر بها أيُّ كان، في حين أنها كانت دائمًا مقصورةً على نخب الفلاسفة والعلماء والمفكرين فقط على الدوام.
رابعًا: وأخيرًا فيما يتعلق بهذه الفكرة. فإن القول بتجذّر الهوية الإسلامية في المجتمع العربي يحمل افتراضًا ضمنيًّا بأن هناك اتفاقًا عامًا على ملامح هذه الهوية داخل ذلك المجتمع أصلاً. في حين أن الواقع يؤكد أن هذا الأمر ليس صحيحًا، حتى على مستوى الشرائح التي تَعتبر نفسها أكثر التزامًا بالهوية ومقتضياتها. إذ يعلم الجميع أن درجة الاختلاف على أرض الواقع على ملامح الهوية المذكورة بين المجموعات الجزئية داخل الشريحة الكبرى بلغت في هذه اللحظة من التاريخ درجةً غير مسبوقة، وأن هذا الاختلاف مرشحٌ للتصاعد على الأقل كما تشير الدلائل الحالية. بغضّ النظر عن أسبابه الذاتية والخارجية في هذا المقام.
تسري هذه الأوهام على شرائح أخرى نأمل أن تكون مجال دراسة موسعة لاحقة، مثل تيار الهوية القومية العربية، ومن يتحركون تحت شعارات، ويستخدمون مفردات توحي بملامح هوية معينة، سواء كانت يسارية أو ليبرالية علمانية أو غيرها..
خلاصة القول. يُشكّل الواقع الحالي وصفةً مثالية للضياع على الصعيد الفكري، وللفوضى على الصعيد الاجتماعي، وللانفجار على الصعيدين السياسي والأمني.. وما من سبيل للتعامل مع الأزمة قبل الإقرار بوجود وخطورة المشكلة أولاً، ومحاولة فهمها بشكل علمي شامل ثانيًا. ثم اتخاذ قرار جدّي وإستراتيجي لحوارٍ فيها بين أهل تلك الشرائح بأسرها تجنبًا للنتائج الكارثية التي ستطال الجميع.
www.waelmerza.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.