كنتُ أُعد مسودة هذا المقال وبين يدي حكم محكمة الاحتلال بالإعدام على طارق عزيز وزير الخارجية العراقي الأسبق ووصيته التي أرسلها لنجله زياد، فإذا بالعملية الإجرامية التي نفذتها مجموعة من جماعات العنف الوحشي على كنيسة سيدة النجاة وبشراكة أكبر من فرقة خاصة من فرق النخبة التي تتبع للمالكي شخصيا انتهت بتصفية سبع وأربعين ضحية من الرهائن المسيحيين وبعشرات من الجرحى خرج بعدها وزير الدفاع في حكومة المالكي ليقول أمام العالم إنها عملية ناجحة جدا!! وقد كانت قوات الاحتلال الأمريكية تعلن متابعتها للعملية من خلال ثلاث مروحيات تُغطي سماء الكرادة... فلننتبه للحدث مجموعة عنف تخترق وتصفية دموية من فرقة خاصة بالمالكي معروفة بنزعتها الطائفية الحادة وواشنطن تتفرج من بعد... ألا يذكر ذلك بقصة الغدر الكبير للعراق..؟ لكنني سأعود إلى منهجية المقال الأصلية فطارق عزيز الذي حُكم عليه بالإعدام تواترت الدفوعات والأدلة على انه لم يكن له أي مشاركة في القطاعات الأمنية التنفيذية وكانت مهمته الدفاع عن قضايا العراق في برنامج السياسة الخارجية بمعنى أنّ تجاوزات النظام السابق الأمنية لم يكن طارق عزيز شريكًا تنفيذيًا مباشرًا فيها بغض النظر عن أن جريمة الاحتلال المزدوج هي القضية الكبرى للملف العراقي وأن المدخل الوطني لا يقبل أن تدار قضايا الداخل بعبثية الاحتلال وبتسعيره للطائفية التي تُحاكم الوطنية، وإنما المحاكمة تأتي في إطار وطني للداخل الوطني وهو ما نسفه الاحتلال مبكرا. لكن المسار المفاجئ والمستفّز للحكم الطائفي للعملية السياسية للاحتلال كان مبعثه سياق موقف وشخصية طارق عزيز فنائب رئيس الوزراء العراقي المعتّل صحيا، الذي ينتمي إلى المسيحيين الأشوريين الأصيليين في العراق أتيحت له فرصة بعد وساطة خاصة من الفاتيكان إثر اعتلال صحته ومناشدات أُطلقت للبابا في هذا الشأن، فوافق الأمريكيون وأحالوا الأمر إلى الحكم الطائفي لأنهم ديمقراطيون للغاية!!! فلا بد أن يأخذوا خواطر الجعفري والمالكي وشركائهم، اشترط الطائفيون على عزيز بحسب الأنباء أن يشهد ويدلي بتصريح ضد الرئيس السابق صدام حسين مقابل إطلاقه فكانت المفاجأة رفض صارم من العراقي الوطني العربي المسيحي طارق عزيز...(لن أشهد ولن أطعن بالسيد الرئيس)...ما هو شعورك أخي القارئ العربي؟ لنا جولة من الخلافات الفكرية والسياسية مع الحكم السابق ومع حزب البعث ومسؤوليته في إدارة الحكم والأزمات لكن شخصيات بهذا الوفاء، كما أن زعيمهم اختار المقاومة بعد الاحتلال حتى آخر لحظات حياته فكان يهزم خصومه، وكما ذكر ذلك مؤخرًا الجندي الأمريكي المكلف على منصة الإعدام والذي نشر مذكراته قريبا، فهي قضية تقاس بتقديرات المبادئ والفداء لها فكيف وهي في قطر العراق المتآمر عليه وهو لا يزال يهزمهم، هذا الموقف كان صفعة مزدوجة قوية للائتلاف الطائفي أنّ هذا المسيحي العراقي العربي لن يطعن في رئيسه ولن يقدم أي هدية للاحتلال حتى لو كان المقابل إعدامه وفقدانه للحياة، ولذلك لم يكتب الرجل في وصيته شيئا سوى انه ينتظر اللحظة ويطلب بنقل جثمانه للأردن ليدفن ثم يعاد بعد خروج الاحتلال حتى لا يعبث به الغوغاء ولكأنه يتذكّر كما العالم ذلك المنظر المخزي الخارج من التاريخ الإنساني إلى حكايات الأوغاد والأوباش حين أُعدم الرئيس صدام قريبا من هذا التاريخ يوم الحج الأكبر والذي يعود بنا إلى الذكرى وتقافز الأوباش على جثته بعد أن طعنوه ميْتًا وكانوا إلى آخر اللحظات ينهارون أمام ثباته.. هو إلى الله والتاريخ لكنّها الشهادة التي رواها الأمريكيون قبل غيرهم فأضحت فضيحة للعملاء. هذا الموقف يخنق الطائفيين فهم يعيشون أزمة أخلاقية ووطنية وليس ذلك من تأنيب ضمير فهؤلاء سُلخوا من الانتماء الوطني لكنه يفضحهم ويحرجهم تماما كما هو موقف الشيعة العروبيين والسنة المضطهدين في عهود النظام، لكنهم حين اجتاحهم الاحتلال كانوا في الفوج متحدين يرددون الأرجوزة الفلسطينية، التي تداخلت مع صوت أذان الأقصى وأجراس كنيسة المهد: يمّه مالية...يمّه مالية....ضرب الخناجر ولا غدر العدو بيه.. وهي في فلسطين والعراق المعركة المتحدة هكذا قالها افخدام ريختر وزير الأمن الإسرائيلي وهكذا طبقتها واشنطن وطهران على حد سواء. هنا ألتفت بمزيدٍ من الألم والجرح العميق للإخوة مسيحيي العراق الذي يغشانا كما هي عند كل مذبحة للسُنّة والشيعة باركها الاحتلال ورعاها في عمليته السياسية وأضحى يُطّبّر عليها في جنازتها لكي تقف المأساة عند أهلنا مسيحيي العراق الذين لم يُسجل عليهم ذلك الردح بالصوت الطائفي وكانوا يرفضون المزايدة على عروبة العراق فكفروا بصليبية الاحتلال وآمنوا بعروبة العراق ووحدته في صوت كنيسة العهد القديم، وقد كانوا في عهد محمد وذمته منذ فتح أصحابه تكرم كنائسهم وتقرع أجراسهم، ولذا غاظ الاحتلال المزدوج ألا يَدخل الكلد الأشوريين ولا السريانيين في حفلة التزوير لتقسيم العراق، والغريب أن تلك الجماعات الحمقاء تضرب في هذه الكتلة التي انزوت عن لغة التقسيم والطائفية وكأنها وكما عودتنا مخترقة فكرا أو دفعا من الرقم المجهول... فما دخل ضحايا الكنيسة القبطية الارثوذكسية في السريان الكاثوليك المدنيين أليس لدى هؤلاء قدرة للقراءة..؟ وماذا يعني رهط من القبط الانفصاليين المتعصبين فيما يرونهم مدنيين من خصومهم المذهبيين.. وحتّى لو كانوا أرثوذكس؟ فهل تُعالج جريمة اختطافهم للمسلمات الجدد بقتل مسيحيي العراق المدنيين... هنا قراءة عقل إن لم يردعهم الدين.. أطلقوهم... وكفاكم فتنةً للمسلمين. [email protected]