منذ أن بدأت المملكة في عام 1945م في استخدام وسائل النقل الجوي في عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، وهي تسير إلى الأمام بدون توقف، وإن تعثرت جهود التطوير في مرحلة ما، فسرعان ما يحصل التعويض والانطلاقة من جديد حتى أصبحت أكبر ناقل جوي في منطقة الشرق الأوسط، بحجم أسطولها الجوي، وحجم حصتها من السوق التي وصلت إلى ما يزيد على 40% خلال عقود مضت، إلى أن ظهر على الساحة منافسون جدد، وترهلت الإدارة، وأخذت الأرقام التي احتفظت بها الناقلة الوطنية فترة طويلة في التراجع. وعملية التفوق في صناعة النقل الجوي تحكمها الأرقام والإدارة. فبدون نسب عالية تعكس الدور الذي تلعبه الناقلة في السوق تتراجع المبررات للريادة. وبدون إدارة مواكبة للمستجدات، تعم الفوضى، ويسود الإحباط، وتتدنى الإنتاجية. ومع تنامي الحركة الجوية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، والتوسع في افتتاح المحطات الخارجية وزيادة عدد المطارات الدولية والإقليمية، تعاظم دور المملكة على الساحة الدولية، وأصبحت لاعب قوي يشارك بفعالية من خلال المنظمات الإقليمية والدولية، في صناعة القرارات الدولية التي تحكم الصناعة وتسيّر شؤونها وتحافظ على نموها وتطورها. وقد استمر الزخم حتى تعرضت الصناعة لتجربة إدارية مختلفة أتت بتجارب متواضعة -من خارج حقل الطيران المدني- طمعًا في إحداث نقلة نوعية جديدة، تتوج بتخصيص صناعة النقل الجوي في المملكة ولكن ذلك الرهان لم يكتب له النجاح. وقد صاحب ذلك التغيير في الإدارة التنفيذية، مجيء لاعبين جدد على الساحة تمثل في دخول منافسين بتوجهات جديدة، واستراتيجيات مواكبة للمستجدات العالمية في صناعة النقل الجوي، ومن ثم وقع النقل الجوي في المملكة بين فكي كماشة.. ضغط المنافسة الخارجية من ناقلات حديثة في منطقة الخليج.. وضعف الإدارة المحلية، وأصبح التوسع والنمو في دول الجوار، على حساب الناقلات التقليدية في المنطقة -مثل السعودية، والمصرية- وبدعم قوي من صعود دبي إلى مركز تجاري جذاب بين آسيا وأوروبا وظفته إدارة الطيران في الإمارات لتعزيز مواقفها على حساب الآخرين، حيث أصبحت دبي مركزًا رئيسًا لعقد المؤتمرات والندوات العالمية، وكل سنتين تستضيف أكبر معرض طيران خارج أوروبا، ينافس «لابورجية» باريس، «وفان برا» في المملكة المتحدة، وأصبح طيران الإمارات من أوائل الناقلات في العالم التي اقتنت، وشغلت، طائرة «ايرباص من طرازA300-80-» العملاقة، الأمر الذي يوفر لها ميزة تنافسية على ناقلات المنطقة، وبين ناقلات العالم. والناقلة القطرية الأخرى التي -وصل عدد أسطولها إلى 70 طائرة- احتلت موقع تنافسي على خارطة النقل الجوي في المنطقة وتنظر إلى الإماراتية كمثل تقتدي به. وما حصل من تطور، وحراك سياسي، وطفرات اقتصادية، في المنطقة خلال العقود الماضية، فرض متغيرات جذرية في سوق النقل الجوي أدت إلى تشييد مطارات عملاقة في دول الجوار تستجيب لمتطلبات نمو الحركة ومستخدميها، وفتح أبواب التنافس على مصراعيها. وعلى الرغم من كل الإخفاقات، والانتقادات، وضعف الأداء، في إدارة الناقلة الوطنية والهيئة العامة للطيران المدني، فإن دور المملكة في صناعة النقل الجوي- دوليًا، وعربيًا- سيظل دورًا مركزيًا ولا يمكن استبداله أو تجاهله على المدى البعيد. كما إن إدارة شؤون الطيران العربي يجب أن تعتمد على مبادئ المشاركة المتكافئة، وتكامل الأدوار وتبادل المنافع بين الدول، وليس على الصراعات والاستقواء بالغير للنيل من الشركاء المحليين. إن حجم مقومات النقل الجوي في المملكة يكفل لها دور ريادي، وقيادي، في نفس الوقت عندما يتم التعامل مع المعطيات بواقعية، وتوظف كل الإمكانات برؤى واضحة، واستراتيجيات بعيدة المدى، تجعل العوامل المحلية والإقليمية تدعم توجهاتها وبرامجها التطويرية، وخاصة العنصر البشري الذي تفتقده ناقلات الجوار التي تعتمد - بنسب عالية تصل إلى ما يزيد على 90%- على العمالة الوافدة في كل عملياتها. والأمر الذي ينبغي التأكيد عليه هو أن دور المملكة في عالم الطيران، دور محوري، إقليميًا، وعالميًا، ويجب العمل على تعزيزه، ليستمر كرافد للتنمية المستدامة، ومحرك فعال لعجلة الاقتصاد المحلي بما يقدمه من خدمات وتسهيلات لحركة النقل الجوي، من وإلى المملكة وبين مناطقها المترامية الأطراف.. والله من وراء القصد.