منذ أن حددت الدولة خيار السعودة بدأت وزارة العمل جهودها لتحقيق ذلك الخيار الذي تبلور مفهومه عندما كان الدكتور النملة يحمل حقيبة العمل الوزارية. وعند مجيء المرحوم غازي القصيبي إلى الوزارة بدأت مراحل التنفيذ تأخذ الجدية ومحاصرة الأفكار المناوبة لذلك القرار الجوهري في مسيرة التنمية في وطننا الغالي. وقد كان لي شرف أن احضر مشهدين لموقف الوزيرين حول هذا الموضوع، كلاهما في منتدى جدة الاقتصادي الأول لمعالي الدكتور النملة عندما تذمر أحد رجال الأعمال البارزين من خطة الوزارة للسعودة، وكان جواب الدكتور علي النملة: “هناك خياران إما أن يتعاون القطاع الخاص مع الدولة في هذا المجال وإلا ستضطر الدولة للتدخل لفرض السعودة”. والآخر لمعالي الدكتور غازي القصيبي رحمة الله عليه الذي قال: “لقد أمضيت سنتين وأنا أتحاور مع رجال الأعمال -حوار الطرشان- أقول لهم سعودة.. سعودة.. وهم يقولون فيزا.. فيزا.. وأردف قائلًا: “من غير المقبول، ولا هو مقبول أن يتوقع أحد من مواطن في بلد من أغنى بلدان العالم أن يقبل راتب شبيه بأقل ما يحصل عليه عامل من بعض الجنسيات، من العمالة الوافدة”. والإحصاءات الأخيرة أظهرت أن عدد العمالة الوافدة زاد بنسبة 5.8% بين عام 2004م إلى 2010م من (6150922 إلى 8429401)، وعندما يكون ما يقارب نصف سكان المملكة من العمالة الوافدة وذويهم فإن الأمر يحتاج إلى وقفة.. بل وقفات جادة للتأمل في كل ما يحيط بها من محاذير من الجوانب كافة، الاجتماعية، والاقتصادية، والصحية، والأمنية. وما ورد في بيانات الإحصاء الأخير قد لا يشمل المتخلفين، والمقيمين بطرق غير نظامية، المنتشرين في الأحياء العشوائية، والأماكن التي لم تتمكن فرق الإحصاء من تغطيتها. وحتى لا يساء فهم هذا الطرح لا بد من الاعتراف بما تقدمه الأغلبية العظمى من تلك الخبرات، والعمالة النظامية من مشاركات ايجابية وجوهرية في مشروعاتنا التنموية واستمرار نهضة بلادنا، وسيظلون محل تقدير واحترام مجتمعنا، ولكنه من غير المعقول أن نستقدم ما يقارب من عشرة ملايين وافد للعمل ولا نستطيع توفير وظائف لنصف مليون من أبنائنا. ومن الصعب جدًا أن نتصور أن شخص مثل الدكتور غازي القصيبي الذي كان منفتحًا للحوار مع الصغير والكبير، وكذلك سلفه الدكتور علي النملة، أن يكونا قد فوتا أي مبادرة للتوصل إلى حلول تخدم مصالح القطاع الخاص وتحقق أهداف السعودة بدون إعطائها فرصة النجاح. والعبء الأكبر في إخفاق تلك المحاولات الجادة من قبل وزارة العمل -في رأيي- يقع على القطاع الخاص، وبخاصة الشركات والمؤسسات الكبيرة التي لديها عمالة أجنبية بالألوف في كل المراكز في هياكلها الإدارية، ولكنها تحصر مشاركة السعوديين في وظائف التعقيب، والحراسة، وغير ذلك من الأعمال الهامشية. إن حماية المواقع من قبل العمالة الوافدة وبدعم من أصحاب الأعمال تكتيك معروف وله مبرراته ولكنه مرفوض عندما تقتضي المصلحة الوطنية إعطاء الأولوية لأبناء البلد الذين يكسبون ويدورون دخولهم في قنوات الاقتصاد الوطني بعكس العمالة الوافدة التي جعلت المملكة أكبر مصدر لتحويلات العمالة إلى الخارج. وحتى لا نضيع الوقت في حوارات تهدف إلى تبرير العودة بالوضع إلى الوراء وتمييع الإجراءات التي اتخذتها وزارة العمل لإحلال العمالة السعودية محل العمالة الوافدة، يجب أن تواصل الوزارة الضغط على القطاع الخاص للتعاون في سبيل التخلي عن المواقف السابقة وفتح مجال العمل للمواطنين، وتدريبهم على رأس العمل، ومن يرفض ذلك يدفع الثمن. والمهندس عادل فقيه رجل أعمال ناجح، ولديه خبرات كبيرة في متطلبات القطاع الخاص قبل تعيينه أمينًا لمدينة جدة. وبعد توليه حقيبة وزارة العمل، يُنتظر منه أن يُوظِّف تلك الخبرات لإقناع زملائه في القطاع الخاص لدفع عجلة السعودة إلى الأمام إذا كان يريد أن ينجح في تخفيف وطأة البطالة على الشباب، وبخاصة العائدين من البعثات الخارجية، وخريجي الجامعات المحلية والمعاهد التقنية والعلمية. إن خيار فتح بوابات القطاع الخاص أمام أبناء البلد يجب أن يستمر بنفس الحماس الذي كان يحمله غازي القصيبي ومعاونوه في الوزارة لأنه خيار التنمية المستدامة، وخيار المواطنة الغيورة، والاستثمار الذي لا بديل له، وهو صمام الأمان الحقيقي الذي يجب ألا يتردد أساطين القطاع الخاص في أخذ المبادرة لتأمينه مهما كانت الصعوبات وقلت الأرباح. ولهذا نقول-بكل احترام- لمعالي وزير العمل المهندس عادل فقيه، إن خيار السعودة لا رجعة فيه، مهما تذمر رأس المال، ومهما هدد بالانتقال إلى دول الجوار، كما حصل مع سلفه، والمطلوب من معاليه المضي قدمًا في مسيرة القضاء على البطالة بدون تردد.. والله ولي التوفيق.