عندما كتبت عن المشروعات التي تعرض نفسها للخسارة ولو ربحت المليارات واستعرضت بعض النماذج التي أعرف بعضًا من أوضاعها التي تجعلها في موقف لا تحسد عليه نتيجة لسياسات أصحابها أو طريقة إدارتهم لها أو الرؤى الخاطئة التي بنوا عليها مشروعاتهم كنت محقًا فيما ذهبت إليه، وكأني على موعد مع القدر ليؤكد لي صحة ذلك على أرض الواقع ولكن في أنموذج ناجح من حيث المبدأ والرؤية والهدف والطريقة وهو يعد من المشروعات العملاقة التي يحق لكل منا الافتخار به، ولولا أن تكون دعاية تجارية لهذا المشروع لذكرته بالاسم واسم صاحبه، وهما معروفان للكثيرين، أتيحت لي فرصة الإقامة لأيام وليالٍ في جنبات هذا الصرح المتخصص وعاينت فيه أشياء كثيرة ربما حفيت على كثيرين ممن يعمل فيه،، بل حتى صاحبه قد لا يكون لديه الفرصة لاكتشاف ما رأيت وعرفت من بعض الجوانب التي أخشى أن تؤثر بصورة سلبية على رمزية ومكانة ومسيرة المشروع. عندما يكون صاحب المشروع ذو رؤية واضحة وهدف نبيل ويمتلك كثيرًا من الشفافية مع نفسه أولًا ومع الآخرين خاصة الذين يتعامل معهم ويعملون معه، بل حتى مع رواد المشروع والمستفيدين منه، نتيجة كل ذلك النجاح المؤكد بإذن الله، وحتى مع وجود بعض الثغرات أو مظاهر الخلل أو القصور في بعض الجوانب فإن ذلك قد يتلاشى مع وجود رغبة أكيدة لدى رموز المشروع والقائمين عليه بتصحيح المسيرة وإعادة النظر في طريقة التنفيذ، والبحث عن أوجه القصور بالأساليب التي يوفرونها من خلال صناديق المقترحات أو سواها من الوسائل التي تتيح لهم التعرف عليها بكل يسر وسهولة، وقد مارست دور المواطن الصالح مع قائد المشروع ببعض رسائل الجوال فوجدت تجاوبًا لم أكن أتوقعه ولم يكن موقفه المكابرة ورفض الملاحظات وتبرير الخلل -كما جرت عليه عادة بعض القيادات الإدارية- وإنما وجدت الرجل يتصل بي فورًا ليخبرني بأنه سيأتي إلى الغرفة التي كنت فيها، وبالفعل وخلال دقائق وجدته ينتصب واقفًا أمامي وبكل تواضع وقد قطع اجتماعه اليومي المعتاد مع قيادات المشروع ليستمع إلي وأنا مجرد مرافق لمريض، وخلال دقائق معدودة شرح لي فكرة المشروع وفلسفته وأهدافه، كما أكد لي رغبته الأكيدة في التعرف على أي ملاحظة لدي وأنه كلف أحد المسؤولين المختصين بالتواصل معي بصدد ذلك. هذه الصورة المشرقة عن أحد رموز الوطنية المتميزة والذي أنشأ مشروعًا حضاريًا عملاقًا بكل المقاييس ليقدم خدمة متميزة وراقية لأبناء، بلده لعلها تشير لبعض الذين لديهم مشروعات صغيرة أو كبيرة ليتعلموا كيف يتعاملون مع أفكارهم ورؤاهم أولًا ثم مع الآخرين وخاصة مع المستفيدين والعملاء، ذلك إن أرادوا كتابة أسمائهم في سجل العظماء والعمالقة، أما إذا كانت غاية مناهم رفع أرصدتهم في البنوك والتمتع بخيرات مشروعاتهم بأسرع وقت وبأي طريقة ولو كانت على حساب دينهم وأخلاقهم ووطنيتهم، فإنهم يحفرون قبور طموحاتهم بأيديهم، ويضعون حدًا لأحلام مواطنيهم وأملهم فيهم..!!