أخبرني صديق عزيز موثوق أنه زار ذات مرة ما يسمى بمستشفى الصحة النفسية في جدة، وليته لم يفعل، إذ أصابته كآبة كادت تؤدي به إلى المستشفى إياه. قال لي باختصار إن هذا أقرب ما يكون إلى (حوش العلة النفسية)، وأنه يكاد يقسم أن لا أحد يدخله مريضاً إلا ويشتد مرضه.. ربما حتى ينتهي أجله. قال لي: لماذا ينسى المجتمع هذه الفئة التي كتب الله عليها أمراضاً نفسية يمكن معالجتها أو التخفيف من حدتها إذا ما أحضرت المهارات المتخصصة، والقدرات الجيدة! ولكن قبل ذلك كله أين البيئة التي تساعد الطبيب على تجويد عمله، وتساعد المريض على الشفاء من مرضه؟! وسيصيح المعترضون: وهل وجد الصحيحة عقولهم السليمة نفوسهم مرافق صحية مناسبة تخدمهم وترأف بحالهم وتعينهم على نوائب المرض وتبعدهم عن شبح الجشع في بعض مشافينا الخاصة؟! وأقول لهؤلاء صحيح ما تقولون، لكن أحدنا يستطيع البحث عن بدائل يدفع في سبيلها من حر ماله، حتى لو أفلس أو استدان، في حين لا يجد المريض النفسي القدرة على التفكير السليم ناهيك عن الخيار البديل. المرضى النفسيون يا وزارة الصحة الموقرة أمانة في عنقك، وسيُسأل المسؤول عنها سابقاً ولاحقاً عما قدم لهؤلاء الذين تاهوا في مبنى مهترئ لا يليق بإنسان أبداً، فهو في حقيقته مجموعة من (الصنادق) داخل (حوش) بسور. وحتى الإصلاحات التي تتم حالياً خُصصت لمكاتب الإداريين، فهي أولى بشوية الفلوس المتوفرة لترقيع (حوش العلة النفسية). المرضى النفسيون يا وزارة الصحة لا يملكون القدرة على الشكوى، ولا النجوى، وحتى أهاليهم غالباً ما يتهربون منهم خوفاً من العار والفضيحة مما يزيد أمراضهم حدة وحالهم سوءاً. قال لي الصديق: يا أخي تريد مشفى لهؤلاء المرضى (حتة) واحدة، هذا تعجيز بالنسبة لوزارتنا الموقرة، لكن لنبدأ بقسم محترم في مستشفى قائم، تماماً كالقسم الذي أنشئ قريباً في مستشفى راشد في دبي المجاورة، ففيه من الأطباء ثلة محترمة، ومن الأجهزة مجموعة محترمة، ومن الخدمات باقة محترمة، ومن التجهيزات تشكيلة محترمة، وحتى المريض يشعر بأن له قيمة محترمة. [email protected]