المرأة المسلمة تتعرض في زماننا على ألسنة وأقلام بعض من يتطوعون للدعوة والإفتاء، ولم يتأهلوا لذلك، إلى استهانة متعمدة بها ومساس بكرامتها، لمجرد أن عنت لهم فكرة لا تعتمد على حجة أو برهان، فأخذوا يطرحونها على الناس، وينسبونها إلى الدين، وليس لها به صلة البتة، فهذا يرى أن المرأة من المسخرات للرجل يتمتع بها كما يشاء، وتلد له الابناء، لا قيمة لها سوى هذا، اعتمادًا على قول الله عز وجل: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، والزوج في اللغة يطلق على كليهما معًا، فكل منهما مخلوق للآخر، والعقد بينهما أرقى الروابط بين البشر، وصفه الله في كتابه بالميثاق الغليظ فقال عز من قائل: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)، فإن قيل إن النساء مسخرات للرجال من أجل إشباع الرغبة الجنسية والرغبة في النسل صح أن يقال مثله في حق الرجال، فهم مسخرون لمتعة النساء وسببًا إلى أن يلدن الأبناء، فما أحد الجنسين أحق بالوصف من الآخر، وما النساء إلا شقائق الرجال، وإحسان العشرة بينهما مطالب كل واحد منهما أن يبذله للآخر، فلكل منهما حقوق عند الآخر، وعليه واجبات يؤديها له، وفي زمن اختراع ألوان متعددة من الأنكحة بمسميات جديدة مثل: المسيار، والمسفار، والعرفي، والصيفي، ونكاح تسبقه نية طلاق، ويأتي في نفس السياق مسمى جديد يطلقه أحد المأذونين الشرعيين هو “الزواج النهاري” وحسب تعريفه له هو ما اشترطت فيه المرأة ألا يأتيها الزوج إلا في النهار، وينصب نفسه فقيهًا فيذكر أن هذا من الشروط التي أجازها الفقهاء، ولا يذكر لذلك مصدرًا علميًا، ولا يعيّن أحدًا من الفقهاء أجاز شرطًا كهذا، وينسى أن الأصل في النكاح أنه لكل الوقت لا لبعضه، فليس هناك زوجة أو زوج لبعض الوقت، والاستمتاع فيه حق لهما فيه كله، والمأذون يقول لنا: إن أسباب وجود هذا العقد الجديد الذي أباحه هو ما أفرزته الحضارة وظروف الحياة، والعلة كما يزعم اضطرار بعض الرجال إلى التعدد دون معرفة الزوجة الأولى، نظرًا لحساسيتها الزائدة فيحرص على أن يتزوج سرًا حتى لا يصدمها، فأباح أيضًا عن عمد زواج السر، الذي يتواطؤ فيه الزوج والولي والشاهدان على كتمانه، وهو الصورة التي يجب أن تستهجن في العديد من الصور المستحدثة للزواج تحت هذه التسميات في هذا العصر، وتجد مثل هذا المأذون يروج لها، وزواج السر هذا عند المالكية والحنابلة باطل عقده، وقال الإمام أحمد عند سؤاله عنه (إذا تزوج بولي وشاهدين فلا حتى يعلنه)، ومن قال بأن الإشهاد عليه إشهار له وإعلان رأي كراهيته، إذا لم يعلم به سواهم، لا مكان أن يتواطؤوا على اخفائه، ورأوا أن صوت الضرب بالدف والوليمة إشهار له مستحب، وقد يبلغ حد الوجوب عند غيرهم، فالفرق بين النكاح والسفاح الإعلان، وقد جاء في الحديث: (إن فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف) فإسرار النكاح في دائرة ضيقة كله ضرر، وإذا كان الزوج به معددًا فالضرر أكبر، فعدم علم الزوجة الأولى به، والذي يبنى في الغالب على جبن الزوج أن يواجهها به، إلا أنه ينشأ عن رغبة في الظلم حتى لا تستوفى أي من الزوجتين حقها بالعدل في المبيت والنفقة، وهو شرط التعدد، وهو حتمًا سيكون سببًا للاختلاف على الميراث إذا توفى هذا الزوج وإحداهما أو كليهما لا تعلم بزواجه من الأخرى، بل وسبب أن يدوم عداء بين الأبناء من كلتيهما، لأن كلًا سيشعر بأن الآخر يشاركه في ما ظن أنه حق له وحده، فلا خير في زواج يسره الزوج خوفًا من زوجته الأولى، أو طمعًا في أن يتخفف من الأعباء، والمروجون لهذه الأنكحة المستحدثة من مثل هذا المأذون إنما يسعون لمصالحهم دون النظر إلى مصلحة مجتمعهم، فهذا المأذون كم سمعنا منه أنه عقد الكثير من العقود لزواج المسيار، الذي يعيبه اليوم فيقول: (إن الزواج النهاري سيحل محل المسيار لأن الأخير يخلو من الديمومة، وغالبًا لفترة مؤقتة، بعكس الزواج النهاري المستمر والدائم)، فعقد عقودًا كثيرة يعلم أنها مؤقتة باعترافه وهي محرمة فهي نكاح متعة وإن سمى مسيارًا، فلما رأى المبيحون له يتراجعون عنه، اكتشف بديلًا هو ما سماه الزواج النهاري، فلعل كثيرون ممن يعقدونه يريدونه لمدة مؤقتة، فهلا كف هو وأمثاله ممن يفرحون بكل لون جديد من الأنكحة ولو كان باطلًا، وأخذوا يروجون له، فالنكاح أقدس الروابط بين البشر، يبنى على الصدق والوضوح، وهو عقد دائم لا وقتي تبنى به أسرة، ويربى فيه الأبناء على أمثل القيم، ويكون فيه بين الزوجين مودة ورحمة تنتفي عندما يكذب أحدهما على الآخر ويغشه، وحبذا لو كان الماذون مقتصرًا على حرفته ولم ينصب نفسه مفتيًا، فهو ما نرجو والله ولي التوفيق. ص.ب 35485 جدة 21488 فاكس: 6407043-02 [email protected]