عندما تعجز واشنطن عن إقناع إسرائيل بمجرد “تجميد جزئي” التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية لمدة شهرين، وتسعى لتقديم المكافآت للقيادة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة مقابل وعد مؤقت بتجميد جزئي للاستيطان دون فائدة، فيتضح حينها إلى أي حد تخلّى الطرف الأمريكي عن دور الوسيط المحايد في محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فما بدأ كمحادثات ستقود لإعلان الدولة خلال عامين تضاءل إلى جهود حثيثة لنيل وقف جزئي لاستيطان غير شرعي، ولكن حتى هذا التنازل الضئيل من الطرف الإسرائيلي لم يكن ممكنًا بل قوبل برفض لا يبدو غريبًا عن حكومة يرأسها بنيامين نتنياهو ويتولى حقيبة وزارة الخارجية فيها ليبرمان. والأسوأ أن إسرائيل لم تكتف فقط بذلك بل تعلن عن مشروع جديد للاستيطان في القدسالشرقية رغم حساسية هذه المدينة في مفاوضات السلام وتمسك كل طرف بها كعاصمة لدولته في دليل جديد على رفض القيادة الإسرائيلية الحالية لوجود الدولة الفلسطينية. على واشنطن أن تدرك بوضوح أن موقفها المهادن لأي قيادة إسرائيلية بغض النظر عن خلفياتها أو مواقفها يزيد حالة اليأس بين الفلسطينيين والعرب والمسلمين من حل سلمي للقضية الفلسطينية، فحالة اليأس في الشارع الفلسطيني أصبحت عامة أما الشارع العربي والإسلامي فهو ينظر لكل انطلاقة مفاوضات دون مبالاة، ودون توقّع لتحقيق اختراق في مفاوضات السلام، فالوجوه هي نفسها والمواقف لم تتغيّر منذ ما يقرب 17عامًا مضت على توقيع اتفاق أوسلو. لقد بدأت الأوساط الفلسطينية تتحدث عن إيجاد ديناميكية جديدة لعملية السلام لا تكون واشنطن المحرك الرئيسي لها، فيما أعلن أبو الغيط أن الجامعة العربية قد تلجأ للأمم المتحدة لإعلان قيام الدولة الفلسطينية، وهي تصريحات تبدو وكأنها تبحث عن حل لوضع يكاد يكون ميؤسًا منه. على واشنطن إن أرادت الخروج بالمنطقة من دوامة اليأس هذه أن تمارس ضغطًا فعليًا على إسرائيل لتلزمها بالسعي قدمًا في عملية السلام. أما دعم التطرف الإسرائيلي وتقديم المكافآت له فلن يقود في النهاية إلا لظهور تطرف مقابل، وهو ما سيقود المنطقة إلى حيث لا يرغب أحد.