بعد ما يقرب من أربعة أشهر على رحيل المفكر المصري نصر حامد أبوزيد اجتمع أصدقاؤه وعائلته مؤخّرًا بالمسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية؛ لتجسيد مسيرته، ورفض فكرة أن يكون اجتماعهم لتأبينه الذي يعني رحيله المادي والمعنوي، لتتحول الاحتفالية إلى تظاهرة طالب خلالها المثقفون بحرية التعبير في الوطن العربي، ومطالبات بدراسة أفكاره، كما شهدت الاحتفالية عرضًا لمقاطع من محاضرات ألقاها أبوزيد بالقاهرة ومشاركاته في مؤتمرات بدول عربية. إعلاء قيمة الحرية وقد استهل الاحتفالية الدكتور أحمد مرسي الذي أدارها أيضًا بالإصرار على تكرار المثل الشعبي “السيرة أطول عمرًا من الإنسان”، بما كتبه ويبقى لتلامذته من بعده. في حين طالبت زوجته الدكتور ابتهال يونس الحضور بأن يدرسوا أفكاره أكثر في سياق قولها: “أتمنى أن تدرسوا ما تركه جيدًا لتبقى أفكاره حيّة ولا يموت فكره مثلما رحل جسده”. كذلك كشف الدكتور عماد أبو غازي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة عن رغبته في إقامة ندوة موسعة حول أفكار نصر أبوزيد العام المقبل، مطالبًا الحضور أن يجهزوا أوراقهم لهذه الندوة. مشاركة المفكر السوري برهان غليون مدير مركز دراسات الشرق المعاصر تمثلت في قوله: “من حقنا أن نستفيد مما حدث لنصر أبوزيد ليفيدنا في المستقبل في أن لا نُجبر على أن نفكر حسب ما تمليه علينا السلطة، أو من يعتقدون أنفسهم أوصياء على الفكر، فإن نصر أبوزيد يعتبر قدوة للمفكرين بغض النظر عن اختلافنا أو اتفاقنا مع أفكاره، ولكن في رفضه الخضوع لأي سلطة، ودافع عن حقه في أن يقول ما يمليه عليه ضميره العلمي والفكري”. ليختتم غليون حديثه بالقول: “نحن مجتمعات تعيش حالة تحول سريع واختلاف حتى في شكل تصورنا لمستقبلنا وأوضاعنا السياسية والاقتصادية. أحداث متشابهة وتطرقت أكثر الشهادات إلى ذكريات شخصية مع المفكر الراحل مثل الهولندي الدكتور فريدمان هاوس الذي تذكر أول لقاء جمعه بأبوزيد في القاهرة عام 1991م عندما تسلم هاوس منصبه ملحقًا ثقافيًّا بسفارة هولندا، وقرأ عن أفكار أبوزيد ثم أصبح زميلًا له بجامعة “ليدن”. أما الناشر اللبناني حسن ياغي الذي غالب دموعه عندما تذكر لقاء عائليًا مع أبوزيد في لبنان ولم يستطع أن يكمل كلمته، وتجنب الناقد المصري الدكتور جابر عصفور رئيس المركز القومي للترجمة تكرار الحديث عن مواقف شخصية عن أبوزيد كي لا يكرر بكاءه مثل “ياغي” واكتفى بسرد وقائع حدثت في الماضي وقارن بين ما حدث عندما اتهم نصر أبوزيد بمعاداة الدين وما حدث عندما أصدر المفكر عبدالصبور شاهين كتابه “أبي آدم” وثارت الدنيا عليه واتهم بنفس الاتهامات التي وجهت لأبوزيد ولكنه لم تصدر ضده نفس الأحكام. وأكد المفكر الفلسطيني فيصل دراج أن أبوزيد أقام بحثه على مبدأ التعدد الذي لا يرتاح إلى اليقين، ماضيًا إلى القول: “المعرفة حوار والعقل الإنساني متعدد، والركون إلى الاحادية والتجانس اقتراب من الموت، وبسبب قلق أبو زيد المعرفي الذي هو ميزة كل مفكر حقيقي اختلف مع حراس الركود الذين يساوون بين الجمود والمقدس واختلف مع تقليد مدرسي قديم يصالح بين الحقيقة والمنفعة السلطوية”. مشروع فاشل المفكر والكاتب اللبناني علي حرب وقال: “كتابات نصر لم تكن تعمل لصالح الإسلام أو ضده، ولكنه كان يعمل كباحث جاد ولم يفد العقيدة الإسلامية بقدر ما يفيد المجتمعات العربية من خلال منهجه في التأويل العقلي”. مضيفًا: “ما جدوى ما أنجزه أبوزيد إذا كان قد فشل في تطبيقه مثل معظم الحداثيين، فإن الباحث والناقد لم يفشل، كتبت عنه مقالات نقدية انتقادية قبل أن أتعرف عليه في غرناطة عام 1998م والآن تتراجع مقالات الحداثة وتشهد الدول العربية حروبًا داخلية وهو ما يجعل مطالبتنا بحرية التفكير هامشية ومضحكة، بينما هو أراد اختراق الممنوع من قبل السلطات لكشف ما تم طمسه أو التلاعب به، وحاول نصر أن يخترق منطقة الممتنعات التي تتأتى من داخل العقل المحدود، وما أخشى قوله هو أن الحداثيين العرب لا يمارسون ما يعلنون من شعارات ومقولات الحداثة من حرية وعدالة واستنارة.