لم يكن الدجاج في معزل عن “الجو الثقافي” أو المعرفي..؟! بل إن السيدة (دجاجة) كانت مصدر إلهام لكثير من المبدعين، وأتذكر أن أول لقاء معرفي لي مع هذه “السيدة”، كان في بداية حياتي القِرائية، حيث عثرت على كتاب اسمه “مذكرات دجاجة”، من تأليف الأستاذ المحقق “إسحاق موسى الحسيني” وكتب مقدمته الأديب المعروف (طه حسين)، وصدر في سنة 1943م من إصدارات سلسلة (إقرأ)!. بعد ذلك توالت العلاقة بين الأدباء والدجاج! وأخذت تنمو، حتى وصلت إلى (التلاحم) بين بعض الأدباء والسيدة “دجاجة”، التي كانت مصدر رزقهم، وكل همهم ومبلغ علمهم!. وتقول بعض الكتب لنا: إن الأديب المشهور (إسماعيل مظهر) كان صاحب مجلة (العصور).. ذلكم الباحث المفتون بنظرية (داروين) في النشوء والارتقاء، الذي ترجم كتاب صاحب النظرية المسمى ب(أصل الأنواع)، الأمر الذي سبب له كثيرا من الاتهامات والمضايقات، واشتهر (اسماعيل) هذا بالتمرد والهجوم على الأدباء، كل هذا التصادم جعل أديبنا (إسماعيل مظهر) ينزح إلى الانطواء، بعد أن انفرد بنشر عدة كتب، منها (مآثر العرب على الحضارة الأوروبية) و(علوم المسملين أساس التقدم العلمي الحديث)، وترجم كتاب (عمالقة العلم).. بعد ذلك -كما هي رواية شيخنا (وديع فلسطين)- سرعان ما برم بركود الحياة الفكرية، وسيطرة الفكر الدعائي الإعلامي على الحياة الثقافية، فاعتزل في ضيعته (برقين) -إحدى قرى مصر- يربي الدجاج، ولما سئل عن هذا التحول في حياته قال: (إنه يتكيف مع طبائع الدجاج، بأيسر مما يتكيف مع طبائع البشر، وإن حياة الريف ببساطتها اهنأ من حياة المدن بكل ضجيجها، وصخبها ومنافساتها، التي تقطع فيها الرقاب -حسب التعبير الإنجليزي!. ولما سئل: ألا تحنّ إلى الكتب والأوراق؟ قال في “نغمة يائسة”: (وما الفائدة من علم لا ينتفع به إلا صاحبه؟ فإن سكبناه على الورق لم نجد ناشرًا ولا قارئًا إلا بشق الأنفس، فدعني يا صاحبي أربي الدجاج، وأحصد بيضة كل صباح، فسوقه رائجة بحمدالله)!. حسنًا.. ماذا بقى؟!. بقى القول: هذا كلام أديبنا “إسماعيل مظهر”، قبل أكثر من خمسين سنة، وهو الأديب والمترجم والباحث.. فهل أنتم معه من المتفقين أم من المُختلفين.. والله يتولى الصادقين..!.