لا يمكن النظر إلى جولة خادم الحرمين الشريفين العربية في نهاية يوليو الماضي، وعقب جولته الغربية إلا في السياق الطبيعي لها، الذي ينطلق من ثوابت السياسة الخارجية السعودية، التي تجعل دعم قضايا الأمة العربية على رأس أولوياتها ومن دورها الريادي على الصعيد العربي واستثمارها لدوائر علاقاتها الأخرى. وكان طبيعيا أن تتبع الجولة الغربية عدة زيارات عربية يقوم بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعواصم الفاعلة في الملفات الإقليمية، وخصوصا ملفي العلاقات العربية والصراع العربي الإسرائيلي. وكان لهذه الجولة التي استهلها خادم الحرمين الشريفين بزيارة مصر وسوريا ولبنان والأردن في طريق عودته للمملكة عدة منطلقات أساسية أبرزها: أولًا: حرص خادم الحرمين الشريفين على التشاور مع أشقائه قادة الدول الأربعة فيما يتعلق باستحقاقات المرحلة، وإطلاعهم على نتائج الزيارة المهمة للولايات المتحدةالأمريكية والمباحثات الناجحة التي أجراها مع نظيره الأمريكي باراك أوباما، خصوصا تأكيده على التمسك الجماعي بخيار العرب للتعامل مع قضية الصراع العربي الإسرائيلي من خلال المبادرة العربية، التي لاقت اعترافًا دوليًا جعلها أحد أهم مرجعيات انهاء هذا الصراع. ثانيًا: التأكيد على ضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني باعتبار أن التئام الصف يدعم المفاوض الفلسطيني في مواجهة الصلف الإسرائيلي الذي لا يريد السلام، وإذا اضطر للتجاوب مع الجهود الدولية فهو يسعى لفرض “السلام الذي يريده”، باعتباره الطرف الأقوى في مواجهة الطرف المنقسم، وكان لا بد لخادم الحرمين الشريفين بعد مباحثاته مع الراعي الأمريكي وتحذيراته المتكررة من خطورة استمرار الانقسام أن يؤكد على الأشقاء العرب ضرورة دعم الدور المصري وجميع الجهود المخلصة لإعادة توحيد الصف الفلسطيني. ثالثًا: استمرارًا لمبادرة خادم الحرمين الشريفين في قمة الكويت، وانطلاقا من استشعاره لخطورة الحالة غير الطبيعية في العلاقات المصرية - السورية بالنظر إلى المنعطف الذي تمر به الأمة العربية.. كان من الضروري أن يستمر الجهد المخلص والواعي للملك عبدالله في إزالة مسببات الاحتقان بين القاهرةودمشق بما يضمن صفا عربيا متماسكا وراء المفاوض الفلسطيني، الذي يخوض أشرس معاركه وسط ضغوط إقليمية ودولية للدفع بالفلسطينيين نحو مفاوضات مباشرة يريدها الطرف الإسرائيلي بلا مرجعيات. رابعًا: ربما كان الملف اللبناني أكثر الملفات حساسية في جولة الملك عبدالله العربية.. ولذلك كان لافتًا للمراقبين والشارع العربي وصول خادم الحرمين الشريفين والرئيس السوري بشار الأسد إلى بيروت من دمشق في الطائرة الملكية.. هذا المشهد الذي لم يكن مجرد صورة وإنما هو تعبير عن واقع عربي جديد. واكتسبت محطة بيروت خصوصية أضفت عليها أهمية بالغة بالنظر إلى بدايات احتقان كان ينطوي حول تسريبات تحدثت عن أن القرار النهائي للمحكمة الدولية الخاص بقتلة رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سيطال عناصر من حزب الله.. الأمر الذي يؤدي حتمًا إلى توتير العلاقات داخل مكونات الوطن اللبناني الواحد وبين دمشقوبيروت، وكان لا بد من السعي لنزع هذا الفتيل باعتبار أن المحكمة والمحاكمة لا يجب أن تكون طريقا للفتنة في لبنان. زيارة لم الشمل وفي إطار الرؤية الموضوعية لأهمية الجولة يمكن التوقف أمام تصريح معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة حول زيارة خادم الحرمين الشريفين لشرم الشيخ مستهلًا جولته العربية.. حيث قال معاليه: إن الزيارة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين إلى البلدان الشقيقة: جمهورية مصر العربية، والجمهورية العربية السورية، والجمهورية اللبنانية، والمملكة الأردنية الهاشمية، تكتسب أهمية خاصة، نظرًا للظروف الدقيقة التي تمر بها الأمة العربية وحاجتها إلى مزيد من لمّ الشمل وتوحيد صفها لمواجهة التحديات كافة.. وأضاف معاليه: إن خادم الحرمين الشريفين بما عرف عنه من بُعد نظر وحكمة وسداد رأي وهو يحمل همّ هذه الأمة يقوم بهذه الزيارات ليبحث مع إخوانه أصحاب الجلالة والفخامة قادة الدول الشقيقة سبل تنقية الأجواء وتعزيز العلاقات العربية العربية وتوحيد صف الأمة وجهودها أمام ما يواجهها من تحديات. السلام العادل أولوية لخادم الحرمين وأشار إلى أن المباحثات تشمل مجمل القضايا العربية، وفي مقدمتها قضية فلسطين وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حصار ومصادرة لممتلكاته وتهديم لمنشآته وتهجيره من أراضيه، وكذلك عملية السلام المتعثرة والجهود المبذولة لسلام عادل وشامل يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة القادرة على الحياة على ترابها الوطني، وعاصمتها القدس.. كما تشمل الأوضاع الراهنة في العراق ولبنان والسودان والصومال وأهمية الحفاظ على سلامة جميع الدول العربية وعلى وحدة أراضيها وتحقيق السلام والأمن لشعوبها. وأنجزت الجولة العربية في ثلاثة أيام ما كان يمكن أن ينجز في سنين، وجاءت المواقف العربية في محطات الجولة الأربع لتؤكد ضرورة الوصول إلى حل عادل وشامل يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ووفقا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وضرورة توحيد الصف الفلسطيني وتمكين الفلسطينيين من حقهم في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس. كما أكدت البيانات الصادرة في المحطات الأربع ضرورة الوقوف صفا واحدا لمواجهة التحديات الراهنة، وعلى رأسها التحدي الإسرائيلي المتمثل في استمرار احتلال الأراضي العربية وحصار غزة ومؤمرات تهويد القدس. وفيما يتعلق بالملف اللبناني جاء التأكيد على ضرورة العمل من أجل نزع فتيل التوتر وإعادة التناغم للنسيج السياسي اللبناني وحاجة لبنان إلى نبذ الفرقة بين جميع طوائفه وتحقيق السلام والأمن لشعبه وإعلان التضامن الكامل مع لبنان وتغليب المصلحة العليا على أي مصلحة فئوية وتعزيز الوفاق الوطني والاستقرار الداخلي. المبادرة السعودية تطلق يقظة عربية ويبقى أن روح المبادرة السعودية النابعة من تحمل المسؤولية والإحساس بحجمها وحساسيتها أدت إلى الشعور بأهمية إطلاق يقظة عربية تدعو إلى الوفاق وتوحيد الصف لمواجهة ما يحاك بالأمة من دسائس ومؤامرات لإرباكها بالفتنة الطائفية والمذهبية وإلهائها باختلافات في الرؤى لا يجب بأي حال من الأحوال أن تتحول إلى خلافات تحول بينها وبين المواجهة الواعية والمسؤولة لاستحقاقات المرحلة.