يعتبر الأمر الملكي الكريم لخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- المتضمن قصر الفتوى العامة على أعضاء هيئة كبار العلماء، نقلة نوعية وتاريخية أتت في وقتها، في غرة شهر الإنجازات والمكرمات، والمتأمل لهذا الأمر الملكي الكريم يلحظ في ديباجته تأصيلاً شرعيًّا لمسائل غاية في الأهمية، يرسم طريقًا واضح المعالم للفتوى الجماعية في أحوال الأمة والنوازل والمتغيرات. وأنا أعتبر أن قصر الفتوى العامة على أعضاء هيئة كبار العلماء، مع تعدد مذاهبهم الفقهية، ما هو إلاّ تأصيل منهجي مؤسسي للفتوى الجماعية في المسائل العامة، لأن عضو الهيئة لا يجب أن يخرج عن ما أقرته الهيئة في المسائل العامة التي يسأل عنها، وإلاّ انتهت القضية أن كل عضو يشكل مدرسة فقهية له؛ ولذلك فإن صمام الأمان للفتوى العامة هو الاجتهاد الجماعي وليس الاجتهاد الفردي. وهذا التطور الهام، يضع هيئة كبار العلماء -وفقها الله تعالى- أمام مسؤولية تاريخية في كل مناحي الحياة المعاصرة، ويدفعها إلى مزيد من التنظيم لأعمال الفتوى والدراسات والبحوث، فإن هذه المهمة الملقاة على عاتقها الآن لا تتحمل التردد والتشتت في الآراء والمواقف الفقهية. ونظرًا لاختصاصي واهتمامي بالنواحي المالية والاقتصادية، فإن الفتوى في هذا المجال في المملكة العربية السعودية، تحتاج إلى ضبط وتأصيل وتوجيه غير ما هو جار حاليًّا، فالهيئة على سبيل المثال وليس الحصر، لها رأي منشور في عقد الإجارة المنتهية بالتمليك، والعمل في الشركات السعودية على غير هذه الفتوى، والهيئة أيضًا لها رأي منشور في بعض المسائل، ولكن لبعض كبار علمائها، رأي آخر أيضًا منشور، ومخالف لرأيها، ويأخذ به البعض على خلاف رأي الهيئة، والأمثلة كثيرة ويعرفها أصحاب الشأن. إن الأمر الملكي الكريم، من وجهة نظري، يعني أن هيئة كبار العلماء تمثل الاجتهاد الجماعي المعاصر، والفتوى المنضبطة بالمؤسسية، في شؤون المملكة العربية السعودية، وهو أمر سيكون له بالغ الأثر في ضبط ما يجب ضبطه بالأحكام الشرعية. وكلي رجاء أن يبادر سماحة المفتي العام للمملكة العربية السعودية بإنشاء لجنة دائمة للفتوى في الشؤون المالية والاقتصادية، من أعضاء هيئة كبار العلماء، تمثل رأي الهيئة كمؤسسة لأن هذه القضايا أصبحت شائكة ومعقدة ويجب إبعادها عن الرأي الفردي الشخصي، الذي لا يجب أن يكون له مكان إذا أردنا للفتوى المؤسسية أن تأخذ طريقها المنشود. وأختم مقالي هذا برجاء أن يمثل أي عضو في هيئة كبار العلماء، رأي الهيئة المؤسسي وليس الرأي الشخصي في المسائل العامة التي تشمل عموم الناس وقضاياهم المالية وغيرها، والله ولي التوفيق.