لا يملك المرء إلّا أن يتابع بأسى بالغ، مفاوضات الحل النهائي بين السلطة الفلسطينية وحكومة الكيان الصهيوني، وأن يلاحظ بوضوح أن الواقع الفعلي الذي أوجده الاحتلال الصهيوني خاصة في القدس الشريف، قد تجاوز كثيرا المطالب الفلسطينية وجعلها عصيّة التحقيق، وأن مواقف الطرف الإسرائيلي إنما تستهدف في جوهرها الحصول على موافقة السلطة على هذا الواقع، الذي ابتلع القدسالشرقية وابتلع معها (42%) من أراضي الضفة الغربية، فلم يعد هناك أي معنى لحدود 1967. * * * ومن الملاحظ بوضوح، أن العدو الصهيوني لا ينظر إلى ما تبقّى من أراضي الضفة الغربية باعتبارها أرضا فلسطينية محتلة، وإنما باعتبارها جزءا لا يتجزأ من أرض إسرائيل سيتم التنازل عنه للفلسطينيين، إغلاقا لهذا الملف ورغبة من إسرائيل في السلام الشامل الكامل كما يزعمون. ولابد أن يلاحظ المرء أن المواقف الصهيونية مما يسمى بقضايا الحل النهائي، لم تتغيّر بل ظلت ثابتة على الدوام، بينما تتآكل شروط ومطالب الطرف الفلسطيني وتتساقط شرطا بعد شرط وآخرها رفض التفاوض المباشر وغير المباشر، إلا بعد إيقاف توسعات الاستيطان الصهيوني، ولم يثبت الطرف الفلسطيني عند شرطه، بل تنازل عنه تحت الضغوط ودخل المفاوضات. * * * في هذا السياق، واستجابة لما يحتج به المفاوضون الإسرائيليون من أن الشعب اليهودي لن يقبل بالتنازلات عما يعتبره حقا إلهيا لليهود، قامت جماعة مبادرة جنيف التي يرأسها ياسر عبد ربه، وعدد من كبار أعوان الرئيس عرفات ثم أبو مازن من بعده، بإطلاق نداءات بالعبرية لإقناع الشعب الإسرائيلي بإخلاص الفلسطينيين للسلام، ورغبتهم الصادقة في التعايش السلمي، وحثّهم على القبول بالمبادرة العربية، ويبدو أن هذه النداءات أسرفت في أسلوب الرجاء للإسرائيليين، لدرجة أن رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض اعتبرها « حملة استجداء» وطلب حذف اسمه وصورته من هذه الحملة، كذلك فعل السيد صائب عريقات رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، إذ صرح بأن ما نقلته عنه المبادرة لم يكن دقيقا!؟ وأنه لم يكن يستجدي السلام؟! ومن قبل قامت منظمة التحرير بترجمة المبادرة العربية للعبرية، ونشرتها كإعلان في كافة الصحف الإسرائيلية، تناشد الشعب الإسرائيلي دعم السلام والتعايش، وقد أحيط الإعلان بأعلام كافة الدول الإسلامية أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي ( 53 دولة ) بحسبانها ستقوم كلها بالتطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني كجائزة للسلام.