يحكي لي أحد الأخوة أنه حضر اجتماعا مع زملائه الموظفين في إحدى الدوائر الحكومية، وبينما أوشكوا على البدء استأذن أحد الموظفين ليلقي كلمة دافعها –كما يقول- قرب تقاعده من العمل بعد قرابة الثلاثين سنة، يقول صاحبي: ما إن بدأ بكلمته حتى اختلطت دموعه بألفاظه.. وتعبيرات وجهه، ولم يكن يودّعنا بقدر ما كان يعظنا من خلال استعراض مخاوفه مما لا يرضاه في سيرته، وأخذ يردد: كم من شخصٍ ظلمته ولن أعرفهم لأطلب السماح منهم، وكم من مراجعٍ تفنّنت في التبلّد أمام حرارة حاجته.. إلخ البث والشكوى التي لن تجد منا في النهاية إلا المواساة له والاعتبار به. ما بعد التقاعد مرحلةٌ تثور فيها ذكرى البذل والعمل، وتتسلل منها مواقف وتصرفات وعادات سلبيّة لم ينتبه صاحبها إلى سوئها حتى ابتعد.. مع الأسف. أستحضر بخيالي دموع ذلك الموظف وأنا أبحلق في بعض الموظفين الذين خلقت لهم وظائفهم تصرفات وحيلا وعادات سيئة على المستوى الأخلاقي والعملي، كالتهرب من أوقات الدوام، والاختباء من خدمة المراجعين في أماكن «ممنوع الدخول لغير العاملين»، والفظاظة وقهر الرجال وإذلال خلق الله –تعالى- والبرود أمام حرارة المراجع وغير ذلك من العادات التي تجعل من مراجعة بعض الدوائر مغامرة منهكة تستلزم تعطيل بذل اليوم للمراجعين الموظفين في دوائر ومؤسسات أخرى. والعجيب.. أن تكون هذه العادات البغيضة أصلًا وأساسًا يسخر أصحابها من الموظف المخلص ويعيّرونه ويلصقون به صفات ضعف الشخصية والتعقّد والغرور. نحن أمام مشكلة كانت ولا زالت تُنتقد دون أن يجد المراجع صدى طيبًا ومهيبًا لهذا النقد، فلا زالت فوضى التعامل معه وتعقيد المعاملة البسيطة و»تطويل السالفة» هي السمة الغالبة على موظفي بعض الدوائر الحكومية، والدليل تجده واضحًا في ملامح الناس حين يجدون أنفسهم مرغمين على «مراجعة أخرى». ومع أننا خطونا خطوات في مجال النقاط التنافسيّة، وصندوق الشكاوى والاقتراحات، والتقييم.. ونحو ذلك، إلا أنني لا أرى في بعض الموظفين أي مبالاة بهذه الأمور، لأنها لم تصل –كما أعتقد- إلى ما يجده حقًا في واسطة المراجع، ولأننا خطونا فيها خطوة لم يتبعها اهتمام ورقابة. راكان الحمود - جدة