** اليوم أعود -وحيدًا- لأسلك الدرب التي لم أكن أسلكها يومًا إلاَّ بصحبتك، بعد أن أودعوك الثرى، وأيّ ثرى قد أودعوك؟ انه الثرى الطاهر، الذي تتطلع لتوسده كل نفس مؤمنة، حيث رفاق الحبيب صلى الله عليه وسلم، وعترته الطاهرة -رضي الله عنهم أجمعين- ** حيث الفضاء الممتد الذي كثيرًا ما طرقناه -سويًّا- حيث الصِّيران، والإجابة، والأخوين، وحرّة واقم، حيث المنازل التي تعمرها الألسنة والشفاه بذكر الله، والصلاة على سيد الخلق، وشفيعهم، وقرة أعينهم. ** لقد عرفتك (يا زين) في وقت كنت أحوج ما فيه إلى نفس أخرى أبثها ما يعتريني من قلق، وما يتسلل إلى داخلي من ضيق وتبرم، فكنت تلك النفس الأخرى التي تحتويني في عطف أبوي، وتغمرني بعاطفة صادقة استشعرها في كياني الهزيل، وقد عز -يومها- الآسى والطبيب.. وكثيرًا ما كان ذلك الجسد انغرزت فيه مياسم الألم.. كثيرًا ما كان يرتجف فيجدك بجانبه لتجعل من عمامتك أو سجادتك رداء، تحاول أن تقيه به من ذلك الطوفان الهادر القادم من الأعماق السحيقة لنفس طُبعت على العفوية، والرقة، وشيء من السذاجة؛ حتى لتتخيّل أن هذا العالم لا يعرف غير الصدق والوفاء والنبل، لقد تفتحت عيناي في مطلع العمر على نقاء سريرتك، وصفاء وجدانك، وكريم شمائلك، فوجدت في هذا وسواه العزاء لما لقيته في دروب الحياة من العنت، والمشقة، والآلام المحضة، ومواقف الجحود والتنكر، والصلف، والنسيان. ** كانت العيون ترصد، والألسنة تحوك الأكاذيب، وكنت لا تعير هذا وسواه شيئًا من الاهتمام، بل كنت تنام قرير العين، وقد خلا جيبك من الدراهم التي كنت تنفقها لتجبر النفوس الكسيرة، وتدخل الفرحة على الثكالى، والأيتام، وذوي الحاجة. ** ولقد وجدتك يا زين سمحًا في كل شيء، حتى اشتق الآخرون لك اسمًا في طيبة الطيبة فنادوك بأبي (السمائح)، ورأيتك شجاعًا حتى كان يهابك (المفاليح).. في الحارة حيث التقينا، ومن نبع مائها ارتشفنا، وبالشعر في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم ترنمنا، وفي (الرستمية) مع البسطاء تباسطنا. ** بالأمس كنت باسمك اكني، واليوم أقول لهم لقد صعدت روحه في ليلة القدر من الشهر المبارك.