ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام رمضان ورغّب فيه ورتّب الأجور العظيمة عليه, فقال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه مالك والبخاري ومسلم وأحمد والنسائي وأبو داود والترمذي, وقد قام النبي في شهر رمضان, وصلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناس, ثم صلّى من القابلة فكثر الناس, ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله, فلما أصبح قال: «قد رأيت الذي صنعتم, فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم» رواه مالك والبخاري ومسلم وأحمد وأبو داود, ثم قبض رسول الله وليس لقيام رمضان صلاة جماعة, إنما يصلي الرجل وحده والرجلان والرهط, واستمر الحال في خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر, فخرج ذات ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون, يصلي الرجل لنفسه, ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط, فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل, ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب, ثم خرج ليلة أخرى والناس يصلون جماعة واحدة بصلاة قارئهم, فقال عمر: نعمت البدعة هذه, والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون, يريد صلاة آخر الليل, وكان الناس يقومون أوله, رواه مالك والبخاري. إن مظهر التيسير في تشريع قيام رمضان ظاهر جليّ, فقد رغّب رسول الله فيه, ولكنه خشي إن أداه المسلمون كشعار ظاهر أن يفرض عليهم, فامتنع صلى الله عليه وسلم من الخروج لهم في الليلة الرابعة لكي لا يستقر العمل به في حياته, فلما قبض - بأبي هو وأمي - واستقر التشريع فطِن الخليفة الراشد الملهم عمر بن الخطاب إلى جمع المسلمين جماعة واحدة خلف إمام واحد بدل تفرقهم منفردين أو جماعات صغيرة, وقد قدمنا سابقا نماذج من هذا. ومن التيسير المتعلق بالقيام قوله: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل, ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله» رواه مسلم وأحمد, وبناء على هذا فإن المسلم إذا صلى العشاء والفجر في جماعة فإنه يحرز فضيلة القيام, وفضل الله واسع, ومن التيسير المتعلق بالقيام أيضا أن قيام ليلة القدر يعادل قيام الشهر كله, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وأبو داود والترمذي. وهذه الأجور العظيمة على الأعمال القليلة كرامة للأمة الإسلامية المخصوصة بأكمل تشريع وأفضل نبي وأهدى كتاب, يقول رسول الله: «مثلكم ومثل أهل الكِتابَين كمثل رجل استأجر أجراء, فقال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط؟ فعملت اليهود, ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط؟ فعملت النصارى, ثم قال: من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين؟ فأنتم هم, فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء؟ قال: هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا, قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء» رواه البخاري وأحمد والترمذي.