قد تخترم المنية حياة الإنسان، ويكون في ذمته قضاء أيام من رمضان، أفطرها لأي سبب من الأسباب كالمرض أو السفر، أو أفطرتها المرأة بسبب الحيض أو النفاس أو الحمل أو الرضاع، فإن لم يتمكن من القضاء كأن باغته الموت في رمضان أو بعد العيد مباشرة أو استمر المرض المتوقع شفاؤه فإن الصوم يسقط عنه، ولا يستقر في ذمته قضاء لعدم تمكنه منه، إما إن تمكن من القضاء فأخره إلى فرصة مناسبة فمات قبل القضاء فهنا يتجلى يسر الشريعة الإسلامية في إمكانية قضاء الأيام الثابتة في ذمة الميت بطريقتين: 1. إطعام مسكين عن كل يوم فاته من رمضان، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكين» رواه الترمذي وابن ماجه، وتخرج قيمة الطعام من تركته أو من تبرع أقاربه. 2. صيام الأيام التي فاتته، فقد قال رسول الله: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه» رواه البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود، وجاءت امرأة إلى النبي فقالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ فقال: «أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه، أكان يؤدي ذلك عنها»؟ قالت: نعم، فقال: «صومي عن أمك» رواه البخاري ومسلم -واللفظ له-، وجاء في رواية الإمام أحمد: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر رمضان، وبناء على ذلك فيجوز لأقرباء الميت أن يصوموا عن ميتهم، ويجزئ صومهم عنه. وهذا اليسر في قضاء ما على الميت من صيام يمتد في قضاء ما على الميت من حقوق أخرى كالنذر والعتق والحج والصدقة والدَّين، فقد استفتى سعد بن عبادة رسول الله، فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر ولم تقضه، فقال: «اقضه عنها» رواه مالك والبخاري والنسائي وأبو داود، وجاء في رواية عند مالك وأحمد والنسائي أن نذرها كان عتق رقبة، فقال له النبي: «أعتق عن أمك»، وجاء في رواية عند البخاري وأحمد والنسائي أن أم سعد بن عبادة توفيت وهو غائب فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، أينفعها شيء إن تصدقت به عنها؟ فقال: «نعم»، قال: فإني أشهدك أن حائطي -أي مزرعتي- المخراف صدقة عنها، وجاءت امرأة إلى النبي وقالت: إن أمي ماتت ولم تحج، أفيقضي عنها أن أحج عنها؟ فقال: «نعم حجي عنها» رواه أبو داود والترمذي، وقال رجل لرسول الله: إن أمي افتلتت نفسها، وأراها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عنها؟ فقال: «نعم» رواه مالك والبخاري ومسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه، وجاء في رواية عند أبي داود أن السائل كان امرأة. ومن هذه النصوص الكثيرة رأى كثير من العلماء أن الميت ينتفع بكل قربة يعملها الحي عنه أو يهدي ثوابها إليه، قال الشيخ منصور البهوتي الحنبلي في شرح منتهى الإرادات: (كل قربة فعلها مسلم وجعل) المسلمُ (ثوابها لمسلم حي أو ميت حصل) ثوابها (له ولو جهله) أي الثواب (الجاعل) لأن الله يعلمه كالدعاء والاستغفار وواجبٍ تدخله النيابة وصدقة التطوع إجماعا وكذا العتق وحج التطوع والقراءة والصلاة والصيام، انتهى، وقال أيضا في كشاف القناع: (وكل قربة فعلها المسلم وجعل ثوابها أو بعضها كالنصف ونحوه) كالثلث أو الربع (لمسلم حي أو ميت جاز) ذلك (ونفعه ذلك لحصول الثواب له حتى لرسول الله) ذكره المجد (من) بيان لكل قربة (تطوع وواجب تدخله النيابة كحج ونحوه) كصوم نذر (أو لا) تدخله النيابة (كصلاة وكدعاء واستغفار وصدقة) وعتق (وأضحية وأداء دين وصوم وكذا قراءة وغيرها)، انتهى، وانظر مطالب أولي النهى للشيخ مصطفى السيوطي الرحيباني الحنبلي.