عندما يصرّح رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس عشية بدء المفاوضات المباشرة المقررة غدًا بالقول إننا لن نخسر شيئًا من استئناف المفاوضات، وأنه يذهب إلى المفاوضات حتّى ولو كانت نسبه النجاح واحدًا في المئة، فإن ذلك قد يشير إلى أن ثمة آمالاً ضئيلة للغاية في تحقيق إنجازٍ ما عبر تلك المفاوضات، لكن خبرة الفلسطينيين الطويلة مع المفاوضات على مدة ما يقرب من عقدين، تقتضي بدلاً من التركيز على احتمالات الخسارة التحدّث عن إمكانات النجاح التي تعني في المحصلة إقامة الدولة الفلسطينية، المستقلة، القابلة للحياة بعاصمتها القدس الشريف، بموجب البيانات السابقة للجنة الرباعية الدولية التي نصت على ضرورة إنهاء الاحتلال بما يشمل القدسالشرقية، وعلى عدم الاعتراف بالضم الإسرائيلي لها، وأية إجراءات تستهدف تغيير طابعها ومعالمها، وعلى رفض الاستيطان وضرورة وقفه التام في القدس، وجميع الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك ما يُسمّى بالنمو الطبيعي المزعوم، وهو ما لم ينجح الفلسطينيون خلال تلك الفترة الطويلة من المفاوضات بكافة أنواعها من وضعه في صيغة قابلة للتحقيق على أرض الواقع؛ بسبب التعنّت الإسرائيلي، وهو ما نلمسه الآن من خلال تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عشية انطلاق المفاوضات بعدم وقف الاستيطان، واشتراطه على الفلسطينيين كي يتم التوصل معهم إلى اتفاق اعترافهم بإسرائيل دولة للشعب اليهودي، وتزامن تلك التصريحات بدعوة الزعيم الروحي لحركة شاس المتطرفة عوفاديا يوسف لإبادة الفلسطينيين، بما يعطي المؤشر واضحًا بأن إسرائيل غير جادة البتة في تحقيق اختراق لعملية السلام، وأن الدافع من دخولها المفاوضات هو محاولة جني المزيد من الأرباح التي توفرها هكذا مفاوضات، من خلال قضم المزيد من الأراضي، ووضع اللمسات الأخيرة على مخطط تهويد ما تبقى من القدس العربية. الواضح أن سبب الحماس الذي تبديه الإدارة الأمريكية من المفاوضات محاولة أوباما زيادة شعبيته التي تراجعت بوضوح مؤخرًا، وهو نفس الدافع الذي يتستر نتنياهو خلفه، خاصة في ظل الهجوم الذي يشنه المجتمع الدولي على إسرائيل في مجال المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والثقافية؛ ليبقى الفلسطينيون الخاسر الأكبر في تلك المفاوضات!