سؤال يُقْلِق الكثير من المنتفعين والمتابعين للشأن الداخلي فيما يخص مشروع السعودة الذي بدأه الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- ورفع شعاره بقوله: إن السعودية ليست وكالة استقدام بل إنها وطن وظائفه أبناؤه أولى بها، مشيرًا إلى أن حقبة الاستقدام انتهت وبدأت حقبة جديدة تتمثل في السعودة، ومبعث هذا القلق هو عدم انتهاج أجهزتنا للعمل المؤسسي كآلية علمية وعملية، والاعتماد على الفرد الذي يتسنم زمام الأمور فيها، والبدء في تسييرها -وفقًا لرؤيته الذاتية- من نقطة الصفر متجاهلًا الجهود التي سبقته؛ الأمر الذي يعني هدرًا مُركبًا للجهد والمال والوقت السابق واللاحق. قد يقول قائل: ماذا فعل القصيبي في هذا المشروع، الذي فشل في إحداث نقلة نوعية في التقليل من نسبة البطالة بين الشباب السعودي؟ ولكن سأرد عليه بسؤال آخر.. هل الطرق التي سلكها القصيبي لتحقيق هذا الحلم الوطني كانت مزروعة بالورود؟ لعل أبرزها التأشيرات الوهمية، وبغض النظر عن الإجابة على السؤالين السابقين إلا أن السعودة كمشروع جدير بأن يستمر، ويؤخذ بعين الاعتبار من القيادة الجديدة في وزارة العمل، مع ضرورة إعادة تقييمه بهدف تعزيز إيجابياته وتلافي سلبياته. إن الاستمرار في السعودة يعني أننا نسعى جاهدين للقضاء على البطالة مهما كانت المعوقات التي تعترضها وأبرزها ضعف التنمية البشرية، والتي أرجعها منتدى الرياض الاقتصادي في دراسة أعدها إلى ضعف التنسيق بين الوزارات ذات العلاقة بتنمية الموارد البشرية -التربية والتعليم، والصحة، والعمل، التخطيط والاقتصاد، والمالية- وغياب وجود رؤية موحدة تعمل من خلالها تلك الوزارات، مما أدى إلى وجود خلل في إدارة عملية تنمية الموارد البشرية، إضافة إلى قلة استقرار العمالة الوطنية في وظائف القطاع الخاص، ومحدودية المجالات والفرص الوظيفية للمرأة. ولا يتوقف الأمر عند المعوقات فقط، بل يتعداها إلى الآثار السلبية المترتبة على ازدياد معدل العمالة الوافدة في المجتمع على حساب سعودة الأعمال التي يمارسونها، ولعل أبرزها اجتماعيًا: تدني المستوى المعيشي، وتنامي مظاهر الإحباط المؤدي إلى ضعف الولاء والانتماء، أما اقتصاديًا فتتمثل في الهدر الحاصل في القدرات البشرية، ناهيك عن الأرقام الفلكية للحوالات المالية للعمالة الوافدة التي كان الشباب السعودي أولى بها، وبخاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أنها مهن من السهولة شغلها بعمالة سعودية. اهتمام الدولة -رعاها الله- بالسعودة ليس وليد اللحظة، بل بدأ من خطة التنمية الرابعة التي أكدت سياسة إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة، وتتابعت الخطط مؤكدة على تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، وهذا ما أكده مجلس الوزراء في جلسته يوم الاثنين 9- 8- 2010م التي أقر فيها خطة التنمية التاسعة وجاء من أهدافها: تطوير مهارات الفرد وتهيئته لشغل مختلف المهن. [email protected]