في الزمن القديم كان للسرقة صورة واحدة لا غير، هي الصورة الحسية المادية التقليدية، وكان الحد يُقام على من سرق من حرز بشروط شرعية معلومة. في هذا السيناريو يمد السارق يده فيأخذ ما ليس له من مكان آمن تُحفظ فيه عادة الأموال والممتلكات الثمينة مثل الذهب والمجوهرات. هذا في الزمن القديم، فكيف بالزمن الحديث!! خذوا مثلاً هذا الخبر الذي نشرته المدينة (13 رمضان)، عن إحالة الجهات الأمنية في منطقة الجوف طالبًا جامعيًا عمره 22 عامًا إلى هيئة التحقيق والادعاء العام بتهمة الاحتيال على حساب مواطن في بنك محلي لتسديد جميع مخالفاته المرورية. العمليات الاختلاسية تمت عن طريق الانترنت، وكان الشاب يأخذ من حساب المواطن الضحية ليضعه في حساب الحكومة. هل هذه السرقة في حكم الشرع مثل السرقة من حرز آمن بالطريقة التقليدية؟! وهل يُعد الحساب البنكي حرزًا آمنًا في التعريف الحديث؟! واقع الحال يقول إن البنوك حرز أقوى وأضمن من حرز البيوت والدور. وهل من العقل والحكمة وضع مبالغ نقدية كبيرة في غير بنوك تحفظها لأصحابها من غير خوف ولا قلق! أعود إلى التصور الشرعي أو القضائي لعملية سطو إليكتروني من هذا النوع؟ ماذا يمكن أن يُطلق عليها غير (السرقة) من مال الغير! والمال كان في حرز إليكتروني متفق على أنه آمن ومكين. ليس الجواب هدفًا في حد ذاته، لكنها الرغبة في معرفة مدى اتساع أفق الرؤية الشرعية المعاصرة لاستيعاب قضايا العصر المستجدة بروح الإسلام المتفاعلة مع العصر دوما، ولتكون لنا مدارس فقهية متجددة واعية مدركة لحجم التغيرات الحالية الهائلة، وتلك المقبلة مما لا يعلمه إلاّ الله. قد يسرق السارق من حرز تقليدي ولا شاهد عليه. لكن السارق من حرز إليكتروني لا يمكنه التملص من جريمته، فالعملية مشهودة تقنيًا كما هو حال صاحبنا في الجوف. أقصد أن الدليل هنا قوي دامغ.. تمامًا كما دليل المخدر والمسكر في الدم عند تحليله، فهو شاهد من عند صاحبه، وهو أقوى وأوضح من شاهدين قد لا يتوفران أبدًا أو قد يختلفان قولا.