عندما يبكي.. أيتام وأرامل الوطن غازي عندما يبكي.. محتاجو ومعاقو الوطن غازي عندما يبكي.. ويتذكر مرضى الوطن غازي عندما يبكي.. الأدباء والسفراء والإداريون والشعراء والمبدعون من أبناء الوطن غازي يبكي الوطن، ونبكي على فقيد الوطن؛ لأن الوطن لا يبكي إلاّ على الرجال العظماء الأوفياء المخلصين الذين تخلدهم أعمالهم وأقوالهم أمثال (غازي)، ومَن كان على شاكلته. نعم لقد انهالت الأقلام في كتابة كلمات الرثاء وعبارات الحزن والألم في فقيد الوطن.. حيث أعلم ويعلم الجميع أن المصاب جلل والفاجعة كبيرة، ولن نوفيه حقه مهما ظللنا نكتب ونصف إنجازاته ومحاسنه، سيظل نجمًا لامعًا في سماء الوزارة والسفارة والإدارة والشعر والرواية والمقالة وأعمال الخير، وسيظل يذكر ويذكر على مر السنين والعصور لأنه ترك لنا إرثًا خالدًا ومنبعًا يفيض بالعلم والأخلاق والنزاهة والصدق والأمانة في العمل وحب الغير والتضحية من أجلهم. لقد عانى -رحمه الله- من المرض الكثير، وظل يناضله بسلاح الأمل حتى لا يعرف طريق الفشل في آخر أيامه، ولكي يكمل مسيرة حياته وينهيها بأعلى درجات الوفاء.. ونقول من كل قلوبنا بأنك أبدعت يا (فقيد الوطن)، وأنجزت ووفيت، وملكت قلوبنا، وأدمعت أعيننا برحيلك.. رحلت عنا جسمًا وبقيت إنجازاتك فخرًا. كم يصعب علينا فراق بطل من نخبة الأبطال، وفارس في زمن الفرسان، وعباقرة العلماء، وجيل الأدباء والحكماء، فهو بطل مغوار قاد معركة التنوير في جحافل الظلام بكل اقتدار، أبدع في كل التخصصات، ونال جميع الإشادات في أي منصب، وأي موقع يتولاه، فقد تولى -رحمه الله- في بداية مسيرة الكفاح، وتاريخ المجد والبطولات (عمادة كلية التجارة)، ثم تولى (إدارة سكة الحديد)، وبعد ذلك اختاره الملك فهد -رحمة الله عليه- (لوزارة الصناعة والكهرباء) فكان نعم الاختيار، حيث جلب معظم الشركات العملاقة المتخصصة في مجالات الصناعة والكهرباء، حيث امتدت الأبراج العملاقة في مجاهل الصحراء، وبطون الأودية، وعلى قمم وسفوح الجبال لتحمل الكهرباء إلى المدن والقرى والهجر المنتشرة في أرجاء مملكتنا الغالية.. ثم اتّجه بعد ذلك إلى (وزارة الصحة)؛ ليبدع في ميادينها ويعطيها نصيبًا من أفكاره التطويرية، حيث سعى إلى تحويل بعض الفنادق والمشاريع التي تحت الإنشاء إلى مستشفيات كما حصل في الرياض والدمام.. بعد ذلك اتّجه إلى العمل الدبلوماسي، حيث افتتح أول أعماله الدبلوماسية (سفيرًا للوطن بمملكة البحرين)، ثم (سفيرًا بالمملكة المتحدة وأيرلندا) حيث أبدع كسفير يمثل بلاده خير تمثيل، وخير مَن ينقل رسالة المواطن السعودي إلى دول الغرب، والغيور جدًّا جدًّا على كل مَن يحمل الجنسية السعودية في بلاد العم سام، حيث استطاع -رحمه الله- بحنكته السياسية، ودبلوماسيته الثقافية والإعلامية أن يوحد ويقوي العلاقات بين هذه البلدان وبين المملكة، وذلك طبعًا بفضل طموحه وجهوده المعرفية.. ثم اختير (وزيرًا للمياه)، وفي عام 2004م صدر أمر ملكي بتعيينه (وزيرًا للعمل)، وحمل معه راية الأمل بأن تصبح كلمة بطالة لا معنى لها في قاموس مملكتنا الغالية، وأن تصبح الكوادر لدينا كلها سعودية، وأن تصبح كل الموارد والصناعات بأيدٍ سعودية. نعم أبا سهيل سيرثيك وطن عشت فيه وعاش فيك.. نعم أبا سهيل سيبكيك وطن سكنت فيه وسكن قلبك.. رحمك الله يا أبا يارا، وخلفك خيرًا في أهلك وولدك، ونسأل الله العلي القدير أن يتغمدك برحمته، ويسكنك فسيح جناته، ويرحمك ويرحمنا جميعًا برحمته الواسعة. (إنا لله وإنا إليه راجعون) [email protected]