ساءتني كثيرًا ردود الأفعال الغاضبة التي لاقاها مقالي المنشور الأسبوع الماضي تحت عنوان ( خالي بطرس )، سواء في الموقع الإلكتروني لجريدة المدينة أو في مواقع إلكترونية أخرى. شعوري بالاستياء لم ينبع من عدم اتفاق أغلبية القراء مع ما طرحته، كما أنه لم ينتج عن كم وطبيعة الشتائم التي تلقيتها بسبب كتابة هذا المقال. استيائي كان ناتجا عن عدم فهم معظم القراء لفكرة التعايش التي دافعت عنها بحماسة. مما يعني بأن نسبة غير قليلة من مجتمعنا تجهل أصلا من أصول الحياة وسرا من أسرار استمراريتها على الأرض. التعايش لا يعني كما فهم معظم القراء تبني معتقدات الآخر والإيمان بها واعتناقها. كما أنه لا يعني إجبار الآخر على الإيمان بمعتقداتي. الحالة الأولى تعني التبعية، والحالة الأخرى تعني القهر. ومفهوم التعايش ليس له علاقة بالتبعية أو بالقهر. التعايش وبالذات الديني منه، هو تقبل الآخر المختلف واحترامه والإحسان إليه بغض النظر عما يفصلنا عنه من معتقدات دينية. وهو ما فعلته الدولة الإسلامية منذ فجر تاريخها حتى سقوط الخلافة العثمانية. وهذا لا يعني بالطبع التفريط في دين الله بقدر ما يعني التمسك بالدين، ولكن من خلال فهم متوائم مع روح النص القرآني الذي شدد على رفض مبدأ الإكراه في الدين. أكثر من ذلك فإن إخلاص المسلمين الأوائل لمبدأ التعايش جاء بوحي من احترام الإرادة الإلهية التي قضت باستمرار واقع الاختلاف بين الناس ودعت إلى احترام هذا الواقع الذي أصبح قانونا إلهيا. يقول الله جل وعلا: (( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )) يونس . ويقول الله أيضا : ((ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون )) النحل . الآية الأولى اشتملت على نهي صريح من قبل الخالق جل وعلا لرسوله عليه الصلاة والسلام، عن ممارسة الإكراه والقهر بحق الآخر. وهو ما يدفعني إلى التساؤل: إذا كان هذا النهي قد صدر لرسول الله عليه الصلاة والسلام نفسه، فما بالك بنا نحن؟! التعايش هو الصيغة المثلى لتحقيق واحترام مشيئة الله حول الاختلاف.