يظن البعض خطأ أن إسقاط " الجزية" عن المواطنين الكتابيين فى النظام الاسلامى والدول الإسلامية هو وليد العصر الحديث والضغوط الغربية على الحكومات الإسلامية. صحيح أن ضريبة الجزية كبدل للجندية قد ألغيت رسمياً فى مصر 1272 ه 1855 م عندما تساوى غير المسلمين مع المسلمين فى نظام التجنيد.. وألغيت فى الدولة العثمانية عندما نص على المساواة فى التجنيد بالخط الهمايونى الصادر 11 جمادى الآخر 1272 ه 18 فبراير 1856 عندما نص هذا الخط الاسلامى الذى يسىء فيه الكثيرون على أن مساواة الخراج ( بين جميع الرعايا فى اختلاط أديانهم ) تستوجب مساواة سائر التكاليف والمساواة فى الحقوق تستدعى المساواة فى الوظائف ، فالمسيحيون وسائر التبعة غير المسلمة يسحبون "نمرة قرعة" مثل المسلمين .. وتجرى عليهم أحكام المعافاة من الخدمة العسكرية بتقديم البدل الشخصى أو النقدى . لكن الذى لا يعرفه الكثيرون هو أن إسقاط الجزية كضريبة جندية ومقابل "المعافاة" من الخدمة العسكرية هو مبدأ ونظام إسلامى قرره المسلمون وطبقوه منذ صدر الإسلام . ففى عصر الخلافة الراشدة عصر الفتوحات الإسلامية وفى البلاد التى اختار أهلها وهم غير مسلمين الانخراط فى الجيش لم تفرض عليهم الجزية بل تساووا مع الجند المسلمين رفقائهم فى السلاح فى الغنائم والعطاء المقرر للجنود "حدث ذلك فى " جرجان" ونصت عليه معاهدة القائد"عقبة بن فرقد"عامل عمر بن الخطاب مع أهل " جرجان" إذ جاء فيها " ومن حشر ( أى استدعى للقتال) منهم فى سنة وضع عنه جزاء ( أى جزية) تلك السنة وحدث ذلك أيضا مع أهل " أرمينيا" ونصت عليه معاهدة القائد "سراقة بن عمرو" فى عهد عمر بن الخطاب إذ نصت المعاهدة على أن يوضع ( أى يسقط ) الجزاء ( الجزية) عمن أجاب إلى ذلك الحشر والحشد للقتال) – والحشر عوض عن جزائهم ( جزيتهم ) ومن استغنى عنه منهم وقعد فعليه مثل ما على أهل أذربيجان من الجزاء – ( الجزية) .. وحدث ذلك – كذلك مع " الجراجمة" سكان الجرجومة .. بشمالى سوريا بالقرب من أنطاكية عندما حاربوا وهم على نصرانيتهم فى جيش المسلمين تحت قيادة " حبيب بن مسلمة الفهرى) ومثل ذلك حدث أيضا مع أهل ( حمص) عندما حاربوا فى صفوف جيش ابى عبيدة بن الجراح فى موقعة "اليرموك" ضد الروم البيزنطيين .. كما تم إسقاط الجزية عن عرب بنى تغلب على عهد عمر بن الخطاب . ولقد استمر هذا المبدأ الاسلامى مقررا ومرعياً ومطبقا فى عهد الراشد الثالث عثمان بن عفان فغير المسلمين من رعية الدولة الذين يمنحون الدولة الإسلامية ولاءهم وانتماءهم ويشاركون فى نصرة هذه الدولة بالقتال فى جيشها ودفع ضريبة حماية أرضها وأمنها .. هؤلاء تسقط عنهم الجزية ضريبة الجندية وتصبح مشاركتهم فى القتال ونصرة الدولة البديل عن الجزية .. ولقد سجل التاريخ العبارات التى وردت فى مفاوضات " شهر براز" ملك "الباب" مع القائد المسلم عبد الرحمن بن ربيعة عندما عقد الصلح بينهما ( 32ه -652م) فلقد قال هذا الملك للقائد المسلم " أنا اليوم معكم ويدى مع أيديكم، وصغوى ( ميلى ) معكم .. وجزيتنا إليكم ..النصر لكم والقيام بما تحبون" ولقد أجيب إلى طلبه.. أن يكون الولاء للدولة الإسلامية ونصرتها البدل عن الجزية – التى هى بدل عن النصرة والجهاد والجندية والقتال .. ولقد ظل ذلك سنّة متّبعة طوال تاريخ الإسلام ، حتى لا يقول الإمام الطبرى عن إسقاط الجزية عن الذين انخرطوا فى الجندية من غير المسلمين : وصار ذلك سنة فيمن كان يحارب العدو من المشركين. وحتى إسقاط الخلافة العثمانية فى القرن العشرين كان الأسطول العثمانى مليئاً بالجنود والضباط والفنيين من غير المسلمين ، الذين يتساوون مع نظرائهم المسلمين فى سائر الحقوق والواجبات.