مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية كثيرة جدًا، وتنتشر أفقيًّا في كثير من معاملة المسلم مع الله ومعاملته مع الناس، وهي منة امتن الله بها على عباده المسلمين، فلا يجوز التنزه عنها بحجة أنها رخص للضعفاء العاجزين، بل إن الله سبحانه وتعالى يحب أن يرى عباده آخذين برخصه شاكرينه عليها مستشعرين منته عليهم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته» رواه أحمد. فمن الرخص الشرعية الثابتة بنصوص الكتاب أو السنة أو كليهما التيمم بالتراب عند فقد الماء، والمسح على الخفين بدل غسل الرجلين، والصلاة قاعدًا للعاجز عن القيام، وقصر الصلاة وجمعها للمسافر، والإفطار في رمضان للمريض والمسافر والحامل والمرضع، والرخص كثيرة يصعب حصرها في هذه العجالة. ولبعض هذه الرخص قصص جاءت في كتب الأحاديث والسيرة، يظهر فيها بوضوح إرادة الله تعالى تيسيره على عباده ورفع الحرج عنهم، فمثلاً في تشريع التيمم تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام رسول الله على التماسه وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله وبالناس معه، وليسوا على ماء وليس معهم ماء. فجاء أبو بكر ورسول الله واضع رأسه على فخذي قد نام. فقال: حبست رسول الله والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء؟ قالت: فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرّك إلاّ مكان رسول الله على فخذي، فنام رسول الله حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن الحضير وهو أحد النقباء: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، فقالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته، رواه مالك والبخاري ومسلم وأحمد والنسائي، فتأمل وصف أسيد بن الحضير لهذه الرخصة بأنها بركة، وأن آل أبي بكر بركة على المسلمين. وقد نهى الإسلام أن يبلغ التنطع بالمسلم إلى أن يتنزه عن الأخذ بالرخص الشرعية، فقد صح أن النبي صنع شيئًا فرخَّص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي فخطب فحمد الله ثم قال: «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشية» رواه البخاري، والحديث واضح ظاهر في أن الترخص بالرخص الشرعية لا يقدح في مقام خشية الله سبحانه. وقد وصف رسول الله الرخص التي امتن الله بها على عباده بأنها صدقة منه سبحانه إليهم، فقد فهم عمر بن الخطاب عندما نزل قوله تعالى: «ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا» بأن رخصة القصر منوطة بالخوف، فسأل رسول الله عن ذلك فقال: «صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته» رواه مسلم وأحمد والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجة.