قوله جلّ شأنه ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه) اللام في ( فليصمه) لام الأمر، فأضحى الإيجاب هنا إيجاب حتم لمن شهد الشهر وهو مقيم صحيح، وقد فهم بعض الصحابة من الآية وما بعدها أن من حضر دخول الشهر وكان مقيما في أوله في أهله وبلده فليكمل صومه، سافر بعد ذلك أو أقام وإنما يفطر - عندهم - في السفر من دخل عليه رمضان وهو في سفر، وهذا القول على جلالة من نسب إليهم إلا أن الصواب والفتيا والعمل على خلافه، قال القرطبي رحمه الله في تفسيره: (( وقال جمهور الأمة: من شهد أول الشهر وآخره فليصم ما دام مقيماً، فإن سافر أفطر وهذا هو الصحيح وعليه تدل الأخبار الثابتة. وقد ترجم البخاري رحمه الله رداً على القول الأول (( باب إذا صام أياماً من رمضان ثم سافر )) حدثنا عبد الله بن يوسف قال أنبأنا مالك عن ابن شهاب عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد أفطر فأفطر الناس. يتحرر من هذا أن الإنسان المكلف أوجب الله عليه صيام رمضان ما دام مقيماً صحيحاً، فإن سافر أو مرض جاز له الإفطار على التخيير وعليه القضاء وهو معنى قوله جل شأنه ( فعدة من أيام أخر ) إلا إن كان المرض يخشى منه هلاكه أو زيادة ضرر به لزمه الإفطار للآثار الدالة على عدم إهلاك النفس، وأن المحافظة عليها من الضرورات التي جاء الشرع بها. وظهرت في زماننا مسألة صيام الطلاب المبتعثين هل هو على الوجوب أو التخيير، والحق أن الطلاب المبتعثين ومن في حكمهم تجري عليهم أحكام الإقامة لا أحكام السفر، وهذا ظاهر من الطرائق التي يتبعونها ليقوم أمرهم في البلاد التي هم فيها، وندرك أن حكومات تلك البلاد لا تعاملهم معاملة من يمر بدولهم عرضاً سواء جاء لسياحة يقضيها أو مرض تتعلق إقامته ببرئه. ولهذا يطالب الطلاب المبتعثون بإجراءات نظامية مخصوصة لا يمكن أن نحكم عليهم بعدها إلا أنهم مقيمون ليس لهم خيار الفطر في رمضان إلا من مرض ولا خيار القصر في الصلاة من باب أولى، والعلم عند الله.