تطلّ علينا تباشير عمل جماعيّ يضمّ نخبة من المثقفين السعوديّين تشكيلًا لأبعادٍ جديدة لخطابنا الآني، بعيدًا عن الخطاب التّقليدي الكسول، من خلال تأسيس أوّل نشاط فلسفيّ يحمل التّوقيع السعودي في نادٍ أدبي عريق، هو: نادي الرياض الأدبي، بقيادة د.سعد البازعي رئيس النادي، و(يصاهره فلسفيًّا) نخبة ممتازة من حامليّ الهمّ الفكريّ والفلسفيّ. إنَّ تباشير ذلك النشاط الفلسفي القادم يُعدّ -بحق- نواة جميلة؛ بل ثمرة ممتازة في تغيّر كيفي ونوعي في الساحة الثقافيّة السعوديّة -كما يقول زميلي طريف السليطي-، فثقافتنا هي شاعريّة ودينيّة؛ ولكنَّها ليست فلسفيّة، وقد أقِيم العديد من الحِلق والتجمعات الدينيّة والأدبيّة في المملكة بينما لم تُقم أيّةُ دائرة فلسفيّة في تاريخ ثقافتنا السعوديّة المُعاصرة؛ إذ إنَّ الفلسفة هي أشد الخانات الثقافيّة عندنا تجاهلًا وتهميشًا، فالنشاط الفلسفي نفسه لم يحظ بأيّة عناية أو رعاية، لا من قبل الوزارة في المناهج الدراسيّة، ولا من قبل مثقفينا الذين كتبوا في كل شيء إلاّ الفلسفة، ولا من قبل مشايخنا الذين حاربها بعضهم بلا مبرر، ولا من قبل شعبنا الذي يبعد عن الفلسفة بُعد الأرض عن السماء -على حد تعبير الزميل السليطي-. إنَّ الفلسفة ليست مجرّد موضوع مثل التّاريخ، أو الجغرافيا، أو الأحياء أو غيرها من العلوم، يبدأ وينتهي بمعارف يتلقاها الطّالب على شكل معلومات -كما يقول د.علي بن شويل القرني-؛ بل تتعدّى ذلك، فهي منهجٌ علميٌّ يساعد الشّخص على فهم العالم والمحيط الذي يعيش فيه. فهي أشبه بتعلّم مهارة، وهذه المهارة ليست مهارة يدويّة أو حرفيّة؛ بل هي مهارة فكريّة، فالفلسفة تُنظِّمُ التّفكير، وتبني تصنيفات وتقسيمات داخل العقل، يستطيع بموجبها أنْ يفهم ما يدور حوله -وبعيدًا عنه- فهمًا عميقًا. ولا شك أنَّ مَنْ يتحفّظ على مادّة الفلسفة في مدارسنا وجامعاتنا، يرى أنَّ هناك أسئلة تتعارض مع أحكام الشريعة، ولربما تُدْخِلُ الشخص في متاهاتٍ دينيّة، لا يستطيع التّجاوب معها؛ ولكن يمكن أن نوظِّف الفلسفة فيما يخدم أهدافنا الاجتماعيّة ويؤسّس لفكرٍ مستنير، وعقول ناقدة، ويؤسّس لمرحلة جديدة من التعلّم الذّاتي الذي يجعل من الطّالب أو الطّالبة قادرينِ على توظيف الأدوات العقليّة في فَهم المكان والزمان اللّذَيْنِ يعيشانِ فيهما. إضافة إلى كون هذا التّوجه قد يعطي القدرة على التّحاور مع الآخر بطريقة علميّة بعيدة عن التّشنّجات، أو الحكم المسبق على الأشياء والمواقف. وقصارى القول، ونحن إذ نسوق هذا الكلام إيمانًا منّا بالدّور الذي تلعبه الفلسفة في حياة الأمم؛ ناهيك عن حياة الفرد الواحد، مع يقيننا التّام بوجود بعض مّن يعيب علينا هذا الطرح؛ ولكنّه عيبٌ قاصرٌ لا يستند إلى دليل راشد، أو زعم مقبول؛ لأنَّ الفلسفة هي فعاليّة إبداعيّة مهمّتها إنتاج وخلق وإبداع المفاهيم، أي إضفاء قيمة ومعنى على حياة الأفراد والشّعوب، ويشكّل إنتاج المعاني والقيّم المنسوبة إلى الحياة مسألة أساسيّة، ذلك أنَّ إنتاج المعنى والقيمة ليس مسألة عرضيّة؛ بل هو جوهر الحياة، ونمط الوجود نفسه، ولِكُلّ المعتقدات والقيّم والأفكار التي يستحقّ.