لا أتوقع أن أصل إلى عمق التحليل حول «البلاك بيري» مثل الكاتب ثامر عدنان شاكر، والذي استعرضها في مقاله « كان يا مكان.. بي بي»، ولكن تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، بأن المسؤولين الأمريكيين على اتصال بالدول التي قررت حظر خدمات هواتف «بلاك بيري»، وهي الإمارات، والسعودية للوصول إلى حل لتلك المسألة؛ لمراعاة حقوق المجتمع في استخدام تلك الخدمة، هو موضوعي الأساسي. ومع التقدير والاحترام لوزيرة الخارجية الأمريكية «هيلاري كلينتون»، اصبحنا لا نعرف هل هي تدافع عن حقوق الشركة الكندية صاحبة الامتياز التقني، أما إنها تدافع عن حقوق حرية المجتمع الخليجي؟ فإذا كانت تدافع عن الحريات في الخليج العربي؟ أقول لها إن المنطقة العربية حتة وحدة تحتاج لما هو أكبر من موضوع الحرية التقنية، فالمجتمع العربي أظهر للمجتمع الدولي اهتمامًا أكثر بحقوقه المشروعة في مسألة التفاوض العربي الإسرائيلي حول مباحثات السلام، والمجتمع العربي خرج إلى الشوارع بمظاهرات سلمية احتجاجًا على أحداث غزة واستمرار عزلتها عن العالم، والمجتمع العربي طالب من خلال المؤسسات المدنية المجتمع الدولي بصفة العموم والحكومة الأمريكية تحديدًا بتدخلها الإيجابي لحماية حدود لبنان من التجاوزات الإسرائيلية وحماية جنوب السودان من الفتن والاقتتال والانفصال، وأخيرًا المجتمع العربي طالب بتعاطفكم الشخصي ومساهمتكم في استخدام نفوذكم في تكوين حكومة وطنية في العراق. ولكن ماذا نقول غير: سبحان الله إن مشاعركم الشخصية تتحرك بسرعة نحو الخليج العربي والسعودية بصفة خاصة إذا تعلق الامر بقضية اجتماعية أو حرية شخصية؟! المثير في هذا التصريح أنه وافق في نفس اليوم 5 اغسطس، عرض برنامجين على قناة الجزيرة وقناة العربية، فالبرنامج الأول الذي بث على قناة الجزيرة كان يناقش تراجع لغة (الضاد) وهي اللغة العربية في المجتمع العربي بسبب التطور التقني، والبرنامج الثاني في العربية جاء يناقش قرار إلغاء خدمات البلاك بيري في الإمارات والسعودية والأثر الاقتصادي والاجتماعي المترتب على هذا الإلغاء. وفي كلا الامرين كانت الخلاصة تراجع اللغة العربية بسبب التطور التقني والذي تخلفنا كثيرًا فيه فأصبح أطفالنا يتراسلون بلغة (هجينة) بين العربي والإنجليزي على جهاز البلاك بيري، وكذلك تدهور اخلاقيات الشباب بسبب تقنية (بي بي) وأصبح ينطبق عليهم مثل (الغراب) للأسف فلا هم من اهل الشرق او الغرب. لذلك اعود لموضوعي الاساسي وهو تصريح هيلاري وما ذكره سفير دولة الإمارات لدى الولاياتالمتحدة «يوسف العتيبة» الذي رد على الانتقادات الأمريكية بأن بلاده تطالب «بنفس الالتزامات التنظيمية ونفس أسس الإشراف القضائي والتنظيمي التي تمنحها الشركة المشغلة لبلاك بيري للحكومة الأمريكية والحكومات الأخرى لا أكثر ولا أقل». وهنا فإن دولة الامارات العربية كان موقفها واضحًا من خلال قرار هيئة الاتصالات ثم تصريح سفيرها في امريكا ثم تأكيد وزارة الخارجية ان الحكومة الإماراتية لم تطلب (الإلغاء) بقدر ما طالبت بتقنين الخدمة بنفس الأدوات التي استخدمتها الحكومة الأمريكية، والحكومة الاماراتية راعت ولا تزال تراعي حقوق الحرية الشخصية لمواطنيها والمقيمين على أرضها، وهو الحال نفسه بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي لم تعمل على تضييق الخناق على الحريات الشخصية، بل أرادت أن تمنع ان تمتد هذه الحريات إلى حدود حريات الآخرين سواءً أمنيًّا أو أخلاقيًّا. معالي وزيرة الخارجية الأمريكية،من المؤكد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تحترم حقوق الدول بفرض التنظيم الداخلي الذي يحفظ الأمن الوطني بما فيها حماية الأمن الاجتماعي وكذلك محاربة التجاوزات الأخلاقية والتي تعمل بعيدة عن أي مساءلة قانونية مما يترتب عليها عواقب خطيرة على الأمن الاجتماعي وعلى سير الإجراءات القضائية في إدانة الجرم الجنائي. وعلى الرغم من استخدامي لجهازين أحدهما iPhone والآخر BlackBerry، ومن خلالها أتابع الفيس بوك وأحب التقنية والترفيه وما أتاحته من خيارات مهمة في التواصل الاجتماعي، ولكن حريتي الشخصية يجب ألا تكون على حساب السلبيات تجاه المجتمع او على حساب امن الوطن، وما يحصل من تخزين لمعلومات التواصل في «البلاك بيري» أو ما يماثلها من تقنية فهي تعادل (التجسس) الخارجي الذي تحاربه دول العالم كافة حماية لأمنها الوطني. ختامًا، تصريحكم لا يتعلق بجانب تقييد حريات استخدام التقنية بقدر ما هو تدخل (خارجي) لوزيرة حكومية في موضوع تجاري أو اجتماعي لدول أخرى لها كياناتها، وتصريحكم الثاني يماثل ما حصل سابقًا بتدخلكم في الإجراءات القضائية في قضية فتاة القطيف حين كنتم في مجلس الشيوخ الأمريكي، ولتعلمي وان كان المجتمع العربي منكوبًا بضعف بعض حكوماته ويتنفس من خلال التقنية الغربية، ولكنه يظل الأكثر اهتمامًا بالموضوعات السياسية والأمنية المرتبطة مع امريكا، ويتمنى مستقبلًا أن يرى نفس القوة في التعبير حول قضايا المنطقة العربية التي ظلت فيها وزيرة الخارجية السيدة هيلاري كلينتون تدعو إلى «ضبط النفس» مع التجاوزات الإسرائيلية ضد الحقوق العربية. www.abm.com.sa