الجوله الأخيرة للعاهل السعودي ، الملك عبد الله بن عبد العزيز ، لم تكن فى الدول العربية فحسب ، بل بدأها بحضور قمة العشرين الاقتصادية التي ضمت أكثر دول العالم أهمية اقتصادية وسياسية ، وانتقل بعدها إلى واشنطن ليلتقي بالرئيس الأمريكي ، باراك أوباما ، ليبحث معه بوضوح وصراحة المخاطر التي تمثلها السياسة الأمريكية الخاطئة تجاه إسرائيل وقضايا عالمية أخرى تشمل النزاع مع إيران حول طموحاتها النووية ورغبة السعودية في تجنب تحول الأمور إلى حرب يشعلها الإسرائيليون أو الأمريكيون ، والوضع في أفغانستان وكذلك العراق وأمور شتى يختلف البلدان حول أسلوب معالجة بعضها ويتفقان على البعض الآخر منها . إلا أن زيارة خادم الحرمين الشريفين لمصر وسوريا ولبنان والأردن كانت الأكثر إثارة للإعلام العربي والأجنبي .. فالمنطقة العربية تواجه أزمات متصاعدة ومعقدة أكان في العراق أو لبنان أو فيما يتعلق بالتعنت الإسرائيلي تجاه الحقوق المشروعة للعرب من ناحية وللفلسطينيين بشكل خاص .. وبينما يرفض الإسرائيليون تحديد مواقفهم النهائية فيما يتعلق بالدولة الفلسطينية الموعودة ، فإن ( حزب الله ) اللبناني وقع ضحية الاستفزاز والتحريض الإسرائيلي بالنسبة لموضوع المحكمة الدولية الخاصة بمقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري والعشرات من الذين اغتيلوا بلبنان بعد ذلك . عبد الله بن عبد العزيز يسعى بدون كلل إلى إصلاح المسيرة العربية وإعادة توجيه دفة سياسة العرب لمصلحة قضاياها عبر توحيد المواقف وتصفية الشوائب .. وما أكثر المواقف المتناقضة والشوائب العالقة بقضايا العرب ، والتي أدت إلى أن يطمع القريب والبعيد في ( الفريسة ) العربية .. ولا يستطيع « ابن الرائد الأول ، الملك عبدالعزيز يرحمه الله رحمة واسعة ، الذي أنجز كياناً كبيراً كان مشتتاً فحول ذلك الشتات إلى وحدة رائدة « كما وصفه الدكتور حمود البدر ، في مقال أخير له بصحيفة ( عكاظ) ، إلا أن يسير على درب توحيد الصف العربي وتفعيل الإرادة العربية بشكل تستطيع به إصلاح نفسها ومواجهة الأطماع المتكاثرة عليها . ومن الصعب فهم كيف يمكن لحريص على لبنان مثلاً أن يهدد مواطنيه بالويل إن هم لم يوقفوا المحكمة الدولية المخصصة لمحاكمة قتلة رفيق الحريري ، لأن أجهزة إعلام مشبوهة ودولة إسرائيل العدوة ادعت أن المحكمة سوف تصدر قرارات ( وهي قرارات ظنية وليست أحكاماً ) ضد عدد من المنتسبين إلى (حزب الله) بالمشاركة في عملية الاغتيال .. فليس كل عضو انتسب إلى ( حزب الله ) ملاكاً ولا كل متهم مداناً حتى تقرر المحكمة أنه كذلك .. إلا أن الأزمة التي أثارها السيد حسن نصر الله عبر طلعاته الإعلامية المتتالية والتي دفعت بأحد الكتاب بنعته بلقب « أبو الكلام « مقارنة مناقضة لأبي الهول ، التمثال المصري الفرعوني الصامت الجاثم أمام أهرامات الجيزة .. تسببت بالقلق من أن الحزب المدجج بسلاح جعله أقوى من الجيش اللبناني قد يكون يعد العدة للاستيلاء على بيروت وفرض سلطانه عليها ، بحجة حماية المقاومة التي أصبحت حكراً له. القلق من المحكمة وعليها أدى إلى لقاء كبير في بيروت على مستوى القمة جمع العاهل السعودي والرئيس السوري ، بشار الأسد ، إلى جانب الرئيس اللبناني ميشال سليمان .. ولا أعتقد أن هدف القمة الثلاثية كان السعي لوقف أعمال المحكمة الدولية ، فالمحكمة ليست جهازاً تابعاً لأي من الزعماء الذين التقوا وإنما كيانا دوليا تابعا لمجلس الأمن الدولي ، كما أن ما ينشره الإسرائيليون ليس حقائق ، وإنما معلومات يدعون أنها تسريبات عن المحكمة الدولية قد تكون صحيحة وقد لا تكون .. والاتهامات ليست إدانة إلى أن يتم صدور قرار من قضاة المحكمة حولها .. وإنما الهدف كان التعبير عن وقوف الزعماء العرب الذين التقوا متضامنين للحفاظ على لبنان آمناً مستقراً موحداً تتعايش كل طوائفه بسلام فيما بينها يحكمها رباط مقدس لا يجب تدنيسه بافتعال المعارك واغتيال المختلفين في الرأي لبعضهم البعض أو احتلال منازلهم وتهديد أمنهم .. ومن المؤمل أن تكون هذه الرسالة قد وصلت إلى السيد حسن نصر الله بوضوح يدفعه على الاطمئنان إلى أن القادة العرب سيقفون إلى جانبه في الحق ولن يتوانوا عن إدانة أي مؤامرة قد تحاك ضد أي طائفة أو مجموعة لبنانية ( ولست أدري ما سيكون عليه رد فعل زعيم حزب الله الذي سيعبر عنه في طلعته الإعلامية القادمة يوم الثلاثاء – الذي مضى - لأنني أكتب هذا الموضوع قبل ظهور السيد حسن نصر الله على شاشة التلفزيون ) . القضية اللبنانية بتشعباتها لم تكن القضية الوحيدة في جولة عاهل المملكة العربية السعوديه ، إذ يسبق كل هذا أو يفوقه أهمية الجرح الدامي في فلسطين ، والذي يزيده ايلاماً أن تمارس الضغوط الأمريكية على الفلسطينيين المتضررين وليس على إسرائيل.. وبالرغم من ذلك فإن اللجنة العربية التي أوكل اليها الزعماء العرب متابعة الموضوع الفلسطيني قبلت بأن يختار الفلسطينيون ما يرونه مناسباً فيما يتعلق بالمفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين ، على أمل ، وهو أمل ضعيف ، أن يتمكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما من الوفاء بما قطعه من وعود بالضغط على الإسرائيليين خلال المحادثات المباشرة للوصول إلى حل للقضية الفلسطينية يقبل به الفلسطينيون والعرب .. ومن المعروف أن عبد الله بن عبد العزيز يتميز إلى جانب حكمته بالصراحة والوضوح ، ولا شك أن لقاءه أواخر شهر يونيه مع أوباما في واشنطن قد يكون تميز بالكثير من الصراحة فى الآراء والتحاليل والتوقعات .. وقال الرئيس الأمريكي حينها إن لقاءه مع الملك عبد الله بن عبد العزيز على الغداء تناول عدداً من القضايا الاستراتيجية من ضمنها « المضي قدماً بخطى ملموسة وجريئة لضمان قيام وطن فلسطيني « . ص. ب 2048 جدة 21451 [email protected]