إذا تحول الشخص إلى مرجعية أخلاقية، فإن من الطبيعي أن يصبح المبدأ مجردًا من القيمة ما لم يكتسب الشرعية اللازمة من الشخص الذي يمثل المرجعية المشار إليها. وهذا بدون شك أخطر مرض عقلي يمكن أن تصاب به أمة من الأمم. الشخص أو الإنسان يخطئ ويصيب، والتاريخ وقوانين الطبيعة يؤكدان على استحالة وجود أشخاص لا يخطئون، باستثناء الأنبياء والمرسلين. وحدها المرجعيات الأخلاقية المستمدة من القيم المطلقة كالحق والخير والعدالة والجمال والحرية، هي التي يمكنها القيام بدور الحكم، أو المرجع الذي تُحال إليه كل السلوكيات البشرية. هذا المنهج فقط هو الذي يتناسب ليس فقط مع المنطق، وإنما مع قواعد الفكر السوي الخالي من شوائب المرض. أمّا أن تنقلب الآية، ويصبح المنهج الفكري قائمًا على إحالة المبدأ، أو القيمة إلى الشخص وليس العكس، فهذا يعني بكل بساطة أن العقل الجمعي مصاب بداء الهوى. وهو الداء الذي حذّر منه الهدي القرآني باعتباره مدخلاً لمعظم المفاسد على الأرض. يقول الله سبحانه: (أرأيت مَن اتّخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً) الفرقان. بالتأكيد فإن وسائل صناعة الرأي كانت -ولا تزال- تتحمل المسؤولية الأضخم في تكريس هذا المنهج العقلي. لكن اللافت هو أن أدوات هذا المنهج ما زالت تُطبق على كل النزاعات والخلافات التي تندلع في مختلف الساحات، ابتداء بالساحة السياسية، والدينية، ومرورًا بالساحة الثقافية والفنية، وانتهاء بالساحة الرياضية. ولعل قضية الخلاف الذي جمع بين السيدة فيروز، وبين أبناء الراحل منصور الرحباني هو أحسن دليل على أن عبادة الهوى ما زالت تمتلك الكلمة الفصل في كل ما يتعلق بالأمور الخلافية، بغض النظر عن طبيعة الخلاف وحيثياته. الخلاف بين الطرفين هو خلاف قانوني محض. لكن جماعات الضغط الإعلامية التي تبنت وجهة نظر السيدة فيروز لم تستند في كتاباتها إلى لغة القانون، بقدر ما اعتمدت على أساليب إنشائية الغاية منها تجييش عواطف الناس لتحويل أنظارهم عن معطيات الخلاف. وعلى الرغم من أن البيان الصادر من أبناء منصور، والذي يمكن مراجعته من خلال الإنترنت، استند إلى المواد المنصوص عليها قانونيًّا، إلاّ أن الكثير من الناس استجابوا للدعاية القائمة على تغليب الهوى، لا لشيء إلاَّ لأنهم تلقوا تربية عقلية غير سوية. إذا حل الأشخاص محل القيم، فقل على الدنيا السلام.