أكد عبدالرزاق الخريجي نائب الرئيس التنفيذي رئيس مجموعة تطوير العمل المصرفي الاسلامي بالبنك الاهلي التجاري أن الازمة المالية العالمية أثبتت للعالم أن اتباع أبسط قواعد المصرفية الاسلامية كان من الممكن أن يحول دون وقوع الكارثة الائتمانية، مشيرًا إلى أن تلك الازمة ألقت الضوء على منافع التعامل وفق أسس الاقتصاد الاسلامي. وقال الخريجي في حوار مع “المدينة” إن الازمة المالية كانت فرصة للمصرفية الاسلامية لتقدم بديل للمصرفية التقليدية، ونحن لم نكن جاهزين ولم نكن قادرين على تقديم حلول عملية قابلة للتطبيق. وعن دور المؤسسات المالية في حال إقرار نظام الرهن العقاري قال: في حال إقراره نأمل أن يكون النظام شاملًا للرهن العقاري وغير العقاري، وفي هذه الحالة ستكون الفائدة أعم وأشمل للمواطن والمؤسسات المالية.. المزيد من التفاصيل في الاسطر القادمة. الأزمة المالية والمصرفية الإسلامية * البعض يعتقد أن الازمةالمالية العالمية كانت من قبيل “رب ضارة نافعة”، وأن المخرج منها يمر عبر المصرفية الإسلامية، هل تحقق هذا بعد أكثر من عامين؟ ** تحقق هذا الأمر في جزئية ولم يتحقق في الجوانب الأخرى. فالجزئية التي تحققت هي أن تعاليم ديننا الإسلامي في حال اتباعها هي في حقيقة الامر الحامي الحقيقي لكثير من المخاطر التي يمكن ان نتعرض لها، وعلى سبيل المثال ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه لو تم اتباع أبسط القواعد التي تعد من أساسيات الاقتصاد الاسلامي مثل “عدم بيع الانسان ما لا يملك والنهي عن بيع الدين” لكانت قد كفت العالم كله هذه المأساة التي حدثت. الشيء الآخر أن الازمة أوضحت للعالم كله أن هناك اقتصادًا إسلاميًا وتعاليم شرعية لو اتبعت بدقة لما وقعت الأزمة، وكذلك فتحت عيون مؤسسات عالمية كبيرة لمزايا الاقتصاد الاسلامي وازداد الاهتمام به من مؤسسات البحث العلمي وحكومات بعض الدول والمؤسسات الدينية، كما تنبهت جهات صحافية وإعلامية مرموقة للصناعة المصرفية الاسلامية وأصبحت تعد عنها التقارير الصحافية وتتابع اخبارها وهي جهات لم نكن نتوقع في يوم من الأيام أن تتحدث عن المصرفية الإسلامية ونحن من الناحية النظرية كنا جاهزين لكننا غير قادرين على تقديم حلول عملية قابلة للتطبيق فلا زلنا بعيدين عن هذا المستوى. فالأزمة المالية جذبت الاهتمام ولكن علينا الانتقال من مرحلة الخطاب بالحلول النظرية إلى تقديم حلول تطبيقية عملية لتعاليم ديننا الحنيف. تاريخ المصارف الإسلامية ** ألا تعتقد أن 30 عامًا مضت من تاريخ المصرفية الإسلامية كافية لتقديم المشورة وتقديم النموذج العملي؟ * هذه الفترة (30 سنة) تعتبر قصيرة جدًا إذا قارنا ذلك بما استغرقته المصرفية التقليدية لتصل إلى ما وصلت اليه الآن. الأمر الثاني أن المصرفية الإسلامية قدمت حلولًا جزئية ولم تقدم حلولًا شاملة يمكن تقديمها على مستوى العالم كله. فنحن ما زلنا نسعى لتطوير البنية الأساسية للمصرفية الإسلامية، وبحمد الله يوجد اليوم تقدم كبير عما كان عليه الوضع في السابق، لكن ما زال الطريق طويلًا لتقديم المنتجات وتطبيق النواحي المحاسبية ودراسة المخاطر الائتمانية وعملية تطوير الأنظمة والقوانين. ** تجربتنا المصرفية الإسلامية لم تستعن بها المصرفية التقليدية العالمية وبالتالي عادت إلى عملها على مستوى العالم وقد يأت اليوم الذي نشهد فيه أزمة مالية عالمية كما شهدناه؟ * لم أقصد ذلك وإنما قصدت أنه كانت لدينا الفرصة الكبيرة، ولم نستغلها بالشكل اللازم. إذا كانت الفرصة بنسبة 100%، فإننا لم نستغل منها إلا 20 في المائة فنحن قدمنا المصرفية الإسلامية ولفتنا نظر العالم إليها، ولكن الفرصة لم تستغل الاستغلال الأفضل لأننا لم نكن مستعدين لذلك. والاستغلال الذي أعنيه أن تقدم المصرفية الاسلامية حلولًا للمسلمين ولغير المسلمين، ذلك أننا نجد في بعض الدول أن من يتعامل بالمصرفية الإسلامية من غير المسلمين أكثر من المسلمين. وهذا يعطي دليلا واضحا على أن المصرفية الإسلامية يمكن أن تقدم حلولًا للإنسانية ككل وليس للمسلمين فقط، فيما إذا استغلت الفرصة وقدمت للعالم بصورة أمثل. رأس المال والمخاطر ** نلاحظ أن رأس المال أصبح في الوقت الحالي جبانًا أكثر مما كان عليه في السابق، وبالتالي هناك عدم تقبل أكثر للاستثمار في النواحي المصرفية، هل يؤثر على المصرفية الإسلامية؟ * رأس المال عبر التاريخ عرف عنه بأنه جبان والمقصود بذلك أنه يخشى المخاطرة غير المحسوبة. وينبغي ألا يفهم أن النظام الاسلامي يقوم على اساس المخاطرة غير المحسوبة هذا غير صحيح، فالنظام الاسلامي يشجع على المشاركة في المخاطر بين الممولين والمستثمرين من خلال صيغ المشاركة والمضاربة، ويدعو المؤسسات لأن تتوسع أكثر في تقييم المخاطر والعمل على توزيعها بين الفئات المختلفة، التي تشارك في العملية الاستثمارية وهذا يساعد على نمو وتشجيع هذه الاستثمارات. وفي هذا المجال أعتقد أن المصرفية الإسلامية تقدم تجربة فريدة وحلولًا متميزة. ** ماذا تحتاج المصرفية الإسلامية كي تكون هي الرائدة في العمل المصرفي؟ * المصرفية الإسلامية تحتاج إلى الكثير. المصرفية الإسلامية تحتاج إلى توفر الكوادر المؤهلة تأهيلًا جيدًا لتقديم المصرفية الإسلامية الصحيحة، وهذا يشمل الهيئات الشرعية. فكلنا يلاحظ قلة العلماء المؤهلين من الناحية الشرعية والعملية، لذلك تحتاج الصناعة إلى تأهيل الكوادر القادرة على تقديم المصرفية الإسلامية الصحيحة وأركز على كلمة الصحيحة لأنه من الأهمية بمكان. فالموظف المصرفي إذا أعطى معلومة خاطئة للعميل أو لم يتبع التسلسل الإجرائي الصحيح، فإن هذا قد يضر بالناحية الشرعية وبمصداقية المؤسسة التي يعمل بها. من جهة ثانية تحتاج المصرفية الإسلامية إلى تطوير النظم والمعايير المحاسبية، التي تعكس حقيقتها الشرعية، بالإضافة إلى دراسة المخاطر التي تنطوى على تطبيق الصيغ المصرفية الإسلامية وكيفية السيطرة عليها، ولا يكتمل هذا الحديث دون التطرق إلى ضرورة إيجاد النظم القانونية التي تراعي خصوصية هذه الصناعة وتعمل على حفظ حقوق الاأطراف المختلفة التي تتعامل بها سواء من جانب المؤسسات او العملاء. ** من هي الجهة المسؤولة عن تحقيق توحد الفتاوى العادية من بلد لآخر؟ * أعتقد أن هناك أكثر من جهة واحدة يمكن أن تساعد في التعاون ما بين الجهات الشرعية والجهات التنظيمية، فهناك المؤسسات الراعية للصناعة مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الاسلامية بالبحرين (AAIOFI). وهناك مجلس الخدمات المالية الإسلامية بماليزيا (IFSB) وغيرها من المؤسسات التي ينبغي أن تتعاون فيما بينها للاتفاق لوضع الحد الأدنى من المعايير الشرعية والعملية للصناعة المصرفية الاسلامية. ** هل تعتقد أن هذه الجهات التشريعية يمكن أن تكون مجمع الفقه الإسلامي مثلًا أو هيئات البنوك في الدول الأخرى؟ * لا شك أن قرارات مجمع الفقه الاسلامي تعد أحد أهم مصادر عمل المصارف الاسلامية، واذا ما تم التواصل بين المجمع والممارسين بشكل فعال فيمكن أن يعطي ذلك الصناعة دفعة قوية للامام. ولذلك فإني أدعو إلى أن يكون التواصل بين مجمع الفقه الإسلامي والممارسين أقوى مما هو عليه الآن وأن يستعين مجمع الفقه بالممارسين بشكل أكثر. أعلم تمامًا أن هناك تعاونًا اليوم لكنني أود أن يكون التعاون أقوى من الحالي. ** لدينا قلة في المنتجات المصرفية الاسلامية ومعظمها الآن هي صيغ مكررة لمنتجات تقليدية. لماذا؟ * هذا سؤال مهم جدًا وأعتقد أنه من أهم الأسئلة التي تواجه المصرفية الإسلامية حاليًا وهذا من شقين. الشق الأول: أنه يجب أن نفرق بين المصرفية الإسلامية وبين الاقتصاد الإسلامي. المصرفية الإسلامية هي جزء من الاقتصاد الإسلامي، فالمصرفية الإسلامية هي جزء مهم جدًا في منظومة الاقتصاد الإسلامي. الأمر الآخر: هو النظرة الاستراتيجية بعيدة المدى. ماذا نريد؟! هل نريد تقديم مصرفية شرعية تكون مماثلة للمصرفية التقليدية، أو بالأصح مصرفية تقليدية بطريقة شرعية بذات الخصائص للمصرفية التقليدية ولكن آلية التنفيذ تكون بطريقة شرعية؟ أم نريد للنظرة الاستراتيجية بعيدة المدى لها أن تكون مصرفية إسلامية مختلفة بخصائصها ومميزاتها ومنتجاتها عن التقليدية وهنا الدور المهم للعاملين في المصرفية الإسلامية وللجهات التنفيذية والجهات الشرعية. التوجه الأكبر الذي نلاحظه اليوم يكمن في توفير الحلول الشرعية لمنتجات تقليدية. هذا سيقودنا إذا استمررنا عليه إلى الخيار الأول وهو تقديم مصرفية تقليدية بطريقة شرعية، ولا شك ان حجر الزاوية في كلا الاتجاهين هو الآلية والكيفية التي تطور بها المنتجات والقدرة على الابتكار والابداع بما يتوافق مع الضوابط الشرعية ويتلاءم مع احتياجات العميل العملية. منتجات للعملاء ** من المسؤول عن التأكد من وجود المصرفية الإسلامية المتكاملة وألا تكون مجرد حلول شرعية؟ * أعتقد أن كل مؤسسة مالية سوف تلجأ لتكوين استراتيجيتها الخاصة بها. كذلك أعتقد أن عملاء هذه المؤسسات المالية سيكون لهم دور كبير سواء كانوا أفرادا أو شركات لتحفيز المؤسسة لتقديم وتطوير أي منتج، ويضاف إلى ذلك يجب توفير البيئة القانونية والتنفيذية التي تحمي جميع الأطراف. ** يقال إن البنوك الإسلامية داخلها معاملات ربوية وواجهتها إسلامية، هل هذا القول صحيح؟ * أستطيع أن أتحدث عن البنك الأهلي وأؤكد بالكامل أنه يوجد فصل كامل ما بين المصرفية الإسلامية والمصرفية التقليدية. حتى في إدارة الخزينة فهي منفصلة كمصرفية إسلامية عن المصرفية التقليدية. إدارة واستثمارات جميع ما يتعلق بالمصرفية الإسلامية يتم بطريقة شرعية موافق عليها شرعيا، فنحن في البنك الاهلي قد بنينا استراتيجيتنا على اساس ان ما نقدمه من عمل مصرفي اسلامي يجب ان يكون صحيحًا مائة بالمائة، ويجب أن يحظى بموافقة الهيئة الشرعية. أما بالنسبة للصناعة ككل فلا أحسب أن هذا الاتهام صحيحًا على عمومه، فقد تكون هناك حالات فردية تشوبها أخطاء في التطبيق ولكن لا يمكن بناء صناعة بهذا الحجم على أسس خاطئة ولا احسب ان هناك اي مؤسسة تبني استراتيجها على الغش والخداع، حيث ان غالبية المؤسسات الاسلامية لها هيئات شرعية ووحدات للرقابة الشرعية. ** نلاحظ أنه تم خلال الخمس سنوات الأخيرة أسلمة جميع الفروع ومع ذلك لا يزال البنك يحتفظ بالمصرفية التقليدية. متى يسير البنك الأهلي بالكامل في طريق المصرفية الإسلامية؟ * البنك الأهلي لم يحدد موعدًا للتحدد الكامل نحو المصرفية الإسلامية. عندما اتخذ القرار بالبدء في تقديم خدمات المصرفية الإسلامية قمنا بأخذ تجارب الدول والمؤسسات السابقة، وكلنا يعرف تجارب بعض الدول التي قررت تقديم المصرفية الإسلامية بالكامل قبل 30 أو 40 سنة ولا تزال حتى الآن بعيدة كل البعد عن هذه المصرفية الإسلامية. اتخذنا أسلوب التدرج في التطبيق والالتزام، وحتى نقدم مصرفية إسلامية صحيحة يجب في البداية توفير المنتجات التي تلبي احتياجات العملاء. وقبل هذه المنتجات ينبغي أن نوفر الكوادر البشرية الكاملة التي تستطيع أن تقدم هذه الخدمة. ** يقال إن أرباح المصرفية الإسلامية أقل من التقليدية وهو السبب في عدم تحول بعض البنوك إلى المصرفية الاسلامية بالكامل؟ * هامش الربح ليس له علاقة بالمصرفية الإسلامية والمصرفية التقليدية. المنافسة في عالم اليوم كبيرة وكل البنوك تقدم المصرفية الإسلامية بدرجة أو بأخرى. المنافسة بين البنوك لا تسمح بأن نقول إن هذا إسلامي نقدم بهامش ربح اعلى أو أقل. النظرية في مجال الاعمال منذ بدء التاريخ تقول إن العائد يتناسب مع المخاطر، اسلاميا كان ذلك ام تقليديا. فكلما زادت المخاطر زادت العوائد والعكس بالعكس. نظام الرهن العقاري ** هل سيكون للمصرفية الإسلامية نصيب في الاستفادة من نظام الرهن العقاري؟ * بالتأكيد فإن التمويل العقاري سيكون له شأن كبير خلال الفترة القادمة، فالجميع بانتظار صدور النظام والبدء في تطبيقه. بالتأكيد أن المصرفية الإسلامية سيكون لها دور كبير. ** ما المنتجات التي يمكن أن تكون حلولًا من المصرفية الإسلامية في الرهن العقاري؟ * الهدف الأكبر من الرهن العقاري هو تمويل بناء المساكن، لكن نأمل ألا يقتصر النظام فقط على الرهن العقاري بل يشمل الرهن العقاري وغير العقاري وفي هذه الحالة ستكون الفائدة أعم وأشمل للمواطن والمؤسسات المالية على حد سواء، بمعنى إذا رغب شخص في التمويل للعمليات المعتادة وطالبه البنك بتقديم ضمانات وليس لديه سوى عقار أو أسهم أو أصول معينة؛ فهذه الأصول يمكن ان تكون رهنا يمنح في ضوئه التمويل إذا سمح النظام بذلك. ** هل ستحقق البنوك استفادة من هذا النظام إذا صدر على مستوى العائدات والأرباح؟ * بلا شك سيكون له تأثير على الأرباح لكن المستفيد الأكبر سيكون العميل الذي يواجه الآن صعوبة في الحصول على تمويل من المصارف لعدم وجود الضمانات الكافية. ** ما رؤيتكم المستقبلية للمصرفية الإسلامية على مستوى العالم، وكيف ترى الصورة كاملة؟ * المصرفية الإسلامية من أكثر القطاعات المصرفية نموًا، والمصرفية الإسلامية تقدم حلولًا للمسلمين وللإنسانية ككل، إذا استطعنا أن نقدم المصرفية الإسلامية الصحيحة أتوقع أن يكون لها انتشار كبير وسط المسلمين وغير المسلمين، لأنها تقدم حلولًا للكل. الإنسان عندما يذهب للمصرف فإنه يبحث عن حل لحاجة يحتاجها، والمصرفية الإسلامية تقدم له هذه الخدمة أفضل من أي جهة أخرى. فالمصرفية الاسلامية إذا أحسنا تطويرها وأحسنا تقديمها وعرضها ستعكس وجه المسلمين الحضاري ومساهمتم في نفع الانسانية جمعاء.