يعد المؤرخ محمد بن سعد بن علي آل فقيه أحد الرموز الأدبية في قرية البركة بمحافظة بلجرشي، حيث ولد في العام 1344ه. ودرس على يد العديد من العلماء والفقهاء داخل منطقة الباحة وخارجها، فقد رحل في طلب العلم إلى مناطق عديدة برغم قلة ذات اليد؛ إلا إنه فضل العلم على ما سواه.. فكان هذا دأبه منذ الصبى حتى الآن وهو يقارب التسعين من عمره.. فطوال هذه السنوات كان الكتاب رفيقه، والقراءة نديمه، مكوّنًا طوال مسيرته مكتبة متنوّعة المعارف، صحبته في حله وترحاله، فكان أن أسس مكتبة خاصة في مسقط رأسه بقرية البركة، كما لديه مكتبة أخرى بمدينة جدة التي يرتادها كلما اشتد البرد بمرتفعات الباحة؛ لينشد الدفء فيها، فيجد في الكتاب مؤنسًا له. آل فقيه تحدث ل“الأربعاء” عن مسيرته الأدبية وما تحتويه مكتبته، مستهلًا بحديث عن نشأته الأولى قائلًا: “ولدت في بيت يحب أهله العلم والعلماء، حيث خرج من أسرتنا أول شخص طالب العلم منهم، هو جد جدي علي بن بخيت بن عبدالرحمن رحمهم الله، وكان أحد أبنائه ويسمى غرم الله من علماء الوادي، كما أن أولاده كنا متعلمين، وكان والدي سعد طالبًا للعلم أيضًا، وكان دأبه إذا رجع من المسجد بعد أداء صلاة الصبح أن يقرأ علينا القرآن إلى ما بعد طلوع الشمس في أغلب أوقاته. وكان يجمعنا بعد صلاة العشاء في البيت كبارًا وصغارًا، ويقرأ علينا في كتاب فقه أو حديث، ويقرأ أحيانًا ونحن نسمع في تفسير الإمام البغوي -رحمه الله- للقرآن الكريم. وكان يؤم الناس في المسجد، ويقرأ عليهم في بعض كتب الحديث مثل “بلوغ المرام”، وكان يتولى عقود الأنكحة في القرية ويرشد من يستفتيه في أمور الدين، فهذا البيت وما يزال بيت علم، ومنهم أيضًا أحمد بن عبدالعزيز، الملقب ب(المنصوري)، وعبدالوهاب بن عبدالعزيز الذي كان مديرًا للأوقاف ببلجرشي”. رحلة في طلب العلم ويتابع آل فقيه حديثه مضيفًا: “طلبت العلم بعد دراسة القرآن الكريم في مدرسة الفقيه عبدالرحمن بن علي بن عبدالمعطي العبيدي رحمهم الله، حيث كانت له مدرسة في قرية البركة ورثها عن والده علي، وقد درس بها علي هذا بعد أخيه حسن بن عبدالمعطي، وهم من بيت علم في قرية بني عبيد ويسمون المحاسنة. أما المدارس التي كانت في أيامي وما قبل ذلك، فهي بالنسبة للأولاد الذكور (الفقيه) وبالنسبه للبنات فهي (الأم) وقد أخبرني بعض المعمرين أنه لا يوجد وادي من الأودية في هذه المنطقة إلا وبه ما يسمى (الفقيه) يدرس البنين القرآن الكريم والخط والحساب، وكانوا يسمونه الأربع قواعد، وهي طريقة الجمع والطرح والضرب والقسمة. وكانوا الطلاب يستخدمون ألواح خشب في الحفظ وذلك في أول الطلب، فإذا تجاوز الطالب العشرة أجزاء الأخيرة من القرآن الكريم فيشتري مصحفًا؛ حيث أنه كان سبب ذلك أن ثمن المصحف ليس ميسرًا لكل طالب. وقد كان في بلجرشي مدرسات للقرآن الكريم للبنات”. في مكتبة آل فقيه وينتقل آل فقيه بالحديث متجولًا في مكتبته قائلًا: “لقد أسست مكتبة في بلجرشي، وكذلك مكتبة في جدة، ولم يساعدني أحد في إنشائها، وكنت أحصل على الكتب في كثير من الأحيان عن طريق الشراء، إلا أنها غير مرتبة؛ لأن هناك الكثير من الناس يستعيرون منها، وبسبب موقف ما لم أعد أعير الكتب للآخرين، فهناك كتاب قد فقد مني وهو تفسير البغوي ورثته من أبي أتمنى لو يعود هذا الكتاب إذًا لأعطيت من يأتيني به ما يسعني من مال؛ لأن فيه ورقات من خط جدي، ومع تقدم العمر لم أعد اقرأ كثيرًا وذلك لضعف البصر، فقد كنت طوال اليوم منهمكًا في القراءة، والآن لا تتجاز أوقات القراءة عندي الثلاث ساعات في اليوم فقط”. ويضيف آل فقيه: “كنت أكتب في بعض العلوم التي أدرسها لنفسي كي أتذكرها في أوقات فراغي، وكان من ذلك علم المواريث، ومناسك الحج، والعروض، وتفسير بعض السور والأنساب، وسير بعض الصحابة، وقد قرأ ذلك عندي الأستاذ الفاضل الشيخ سعد بن علي بن زومة في بعض زياراته، وطلب إليّ أن أعطيها له؛ ليطبعها وينشرها لوجه الله، وحيث إني كتبت ما كتبت ولم يكن مقصدي أن أستفيد مما أكتب مادة، فقد سلمتها له وقام بطبعها على نفقته وتوزيعها لوجه الله، كما يوجد بعض ما كتبت في علم الأنساب، وتاريخ منطقة الباحة، ستظهر قريبًا. غير أنها تحتاج إلى شيء من الأناة؛ لأنه استجد في حياتنا الحالية أشياء كثيرة، فنحن بحاجة إلى إضافتها.