مضت نصف ساعة وأنت ممدّد أمام هذه الورقة البيضاء.. وما زالت فارغة ! بياضها يستفزني ويزعجني ، بعد قليل سأملؤها بالكلمات. عن ماذا ستكتب ؟ لا أعرف ! حسناً.. اكتب عن هذه الحالة. كيف ؟ اكتب عن أنك لا تعرف عماذا ستكتب. هذا إفلاس.. ليس دائما.. فمن الفن أن تكتب عن الفن. نعم ليس دائماً.. ولكنه في الغالب عندما لا تحضر “الكتابة”.. نبدأ بالكتابة عن “الكتابة”. معقول !.. انظر حولك.. ما أكثر القضايا في البلد.. وما أكثر الأشياء التي تستحق أن تُُكشف ويُكتب عنها. وما الفائدة ؟ الكلمة: محبة ، الكلمة: نور ، الكلمة: وعي ، الكلمة: سلاح ، الكلم... دعنا من هذا الكلام المجاني ، والمثالي جداً ، وقل لي: ما الفائدة ؟.. هل تغيّر شيء ؟! هل أصابك اليأس ؟ لا.. ولكنني أحياناً أشعر أنني – ومعي البقية – لسنا سوى مُسكن لإزالة “الاحتقان” من أنف.. وروح المواطن ! لااااء... أنت محبط ! لست محبطاً ، ولكن.. عندما نكتب عن الشركة التي تهرب مشتقات النفط إلى الخارج.. ما الذي يحدث بعدها ؟.. وعندما نتساءل عن “بترومين” ولا نجد مجيباً ؟.. وعندما نصرخ ضد هذا الفاسد الذي أتى الوظيفة وهو يستدين الألف ريال ، وخرج منها بثروة تصل إلى نصف مليار.. ما النتيجة ؟!.. وعندما نكتب كل يوم عن سوء الخدمات ، وعن البطالة ، وعن القلق من المستقبل ، وعن.. وعن.. وعن... هل وجدت ردة فعل لما نكتبه ؟!.. وعندما يكتب نصف كتاب البلد عن التكلفة الخرافية لبعض المشاريع.. هل وجدت مسؤولاً واحداً أتى ليخبرنا (ويفهمنا) ما الذي يحدث ؟!! عظيم.. ! ما هو العظيم ؟! هذا الحوار الذي دار بيننا: فكرة مقال جميل.. وهل تظن أنه سينشر ؟ جرّب ! • ملاحظات مسؤول التحرير: المقال لغته حادة ، ومتشائمة. ومفردة “الفساد” أظنها تكررت أكثر من اللازم. يجب تعديل السطر العاشر والسطر الرابع عشر. وشطب الفقرة الثانية والاكتفاء بالفقرة الأولى والتي تنتهي بكلمة “جرّب”. • خروج عن النص: .. وقبل أن يذهب صديقي رمى عليّ قائمة “المقالات الآمنة”: اكتب عن تصرفات عضو هيئة الأمر بالمعروف.. ولا تسأل: ولماذا الهيئة أصلاً ؟! اكتب عن ارتفاع أسعار البطيخ ولا تمس طعمه اللذيذ حتى لا تفقد جمهوره. اكتب مقالاً ناريا هاجم فيه وزير البنية التحتية وستحظى بتصفيق هائل من الجمهور.. والغالبية لا تعلم أنه لا يوجد هناك شيء اسمه “وزارة البنية التحية” ولن ينتبهوا أنك تهاجم الهواء !! اكتب عن الزحام في الشوارع ، والمطبات في الشوارع ، والزبالة في الشوارع ، والفوضى في الشوارع.. وإياك أن تصعد الرصيف، أو تطأ الرخام الصقيل.! اكتب عن هيئة الاستثمار ، ولا تسأل عن “بترومين” – مثلاً. غن مع الرائع طلال حمزة “جدة غير”.. ولا تسأله: “غير بماذا” ؟! اكتب عن مدير إدارة صغيرة “لا يهش ولا ينش” وصب جام غضبك عليه ، وإياك أن تصل لوزيره. وآخر الشهر: ستحصل على المكافأة ، والرضا ، والتصفيق أيضاً.