وعدتُ القارئ الكريم يوم أمس، أن أزوّده اليوم بمقتطفات من خطبة الجمعة لشيخنا الجليل معالي الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، خطيب المسجد الحرام ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، والتي خصصها شيخنا للتنديد والتحذير من عواقب الظلم، ومسالك التزوير، والغش في مأكل الناس ومشربهم، ومختلف احتياجات حياتهم ومتطلبات معاشهم. يقول شيخنا الجليل جزاه الله خيرًا: «إن حياة الناس لا تقوم إلاّ بالعدل والإحسان، لأن العدل واجب في جميع الأحوال، وهو أصل الإصلاح، والظلم لا يُباح بحال، وهو جرثومة الفساد، وتقوم على ذلك مصالح العباد في المعاش والمعاد، وإن الشرع قد نظم ما يكفل للناس الحياة الطيبة والعيش الكريم، ومن أهم الميادين التي يتجلّى فيها ذلك كله، ميادين تبادل المنافع والمعاوضات والعقود والمعاملات، ممّا لا يستغني عنه الناس في مهنهم وحرفهم ومكاسبهم وتدبير معاشهم، والتجارة والمبيعات والمصنوعات، فيها أبواب عظيمة من أبواب الظلم وأكل أموال الناس بالباطل، وإن منع الظلم وتحريمه من أعظم مقاصد الشريعة». «أكد أهل العلم أن ترك الناس يجرون في تبايعهم ومعاملاتهم على ما يريدون، يؤدي الى الإضرار بالمصالح العامة وحقوق الآخرين، فترى هذا يزيد في السعر من غير ضابط، وذاك يحتكر بدون رادع، والآخر يعبث بالصفات والشروط من غير وازع، فيقع الناس في الشطط والتظالم، فيكثر الغش والغبن الفاحش والتدليس والربا والغرر والمغالاة في الأسعار، ممّا يوقع في العداوة والبغضاء، وينشر التزوير والفحشاء، ويزيد النزاع والخصومات، ويغرس الحقد والضغينة، ويوقع في الحرج والمشقة». «إن حماية الناس من التظالم، وفساد البضائع، ونقصها، وضبط أسعارها، وتنظيم العقود وشروطها، مسؤولية الجميع، من التاجر، والصانع، والمشتري، والمستهلك، والوسيط، والسمسار، والدولة وأجهزتها،ومؤكدًا أن من أعظم أسباب الصلاح والإصلاح، معرفة الحقوق والمحافظة عليها، والمسؤوليات والقيام بها من صلاح المجتمع، والمال، والاقتصاد، والنفوس، وتحقيق الرضا والطمأنينة والأمن النفسي والاجتماعي والعيش الكريم». «إن التاجر الصدوق والأمين، لا يقدم على هضم حقوق إخوانه من المشترين والمستفيدين، فذلك ربح للجميع في كسب حلال، لعلاقات شعارها الحفظ والمودة، ودثارها الصدق والإخلاص، وطالب الشيخ بالإفصاح عن المعلومات الصحيحة للبضائع والمنتجات، وكل ما يضمن السلامة والصحة والمنفعة، ويجنب الضرر والظلم والمغالاة بالأسعار، وتجنيب كل ما يدعو الى التضييق على الناس في معاشهم، والابتعاد عن الانتهاز الظالم، والابتزاز في الأموال والحقوق، ذلك أن الشرع دعا إلى حفظ حقوق الناس، وضبط الأسعار، وترك الحرية للناس في الاختيار والنظر والفحص». «على الدولة أن تبصر المحتاج بطرق التصرف والتدبير السليم، وتهيئة الظروف والأسباب ليحصل صاحب الحاجة على حاجته، سيما الضروري منها، من القوت والكساء والمأوى والرعاية الصحية والتعليم، وعلى الدولة أيضًا حماية الناس والأسواق من الغش والتضليل، وحفظ حقوقهم برد السلعة الرديئة، وإصلاح ما يمكن إصلاحه». * * * يبقى التأكيد على ضرورة استفادة كل ذوي الاختصاص من جهات رسمية وأهلية، من هذا التوجيه الشرعي الكريم، وأن يتم تجميع كل ما لشيخنا جزاه الله خيرًا من خطب في الموضوع، لنشرها على السواد الأعظم من الناس، استنزالاً لرحمة الله، والمعافاة من سخطه عز وجل، وتجنبًا لخسائر النفوس والأموال والممتلكات.