كل مخلص في وطننا لا يرضى بوجود المشكلات الاجتماعية، ومن باب أولى أنه لا يقبل بحصول المظالم، وكما أنه يجب السعي لمعالجة العنوسة وتزويج المطلقات والأرامل وذوات الاحتياجات الخاصة، فإننا من باب أولى يجب أن نحافظ على الزيجات القائمة، ونسعى للم الشمل وإصلاح ذات البين، ولكن هناك بعض الحالات تأبى إلاّ الانتهاء بالطلاق، سواء كان برغبة الطرفين أو أحدهما، وعندها يجب أن يكفل للطرفين حقوقهما، وبما أن الرجل بيده الطلاق فهو في الغالب ضامن لحقه، في حين أن المطلقة هي الجانب الضعيف في القضية، ولذا وجب مناصرتها لنيل حقوقها التي كفلتها الشريعة الإسلامية الغرّاء. ومن المؤسف أن مجتمعنا قد بلغت العنوسة فيه أرقامًا قياسية، وكذلك الطلاق وصل إلى ربع حالات الزواج، ممّا وجب تركيز النظر على هذه المشكلة الاجتماعية، ودراستها من جميع الزوايا، ولن يتحقق ذلك بجهود مؤقتة أو مبادرات فردية، ولذا يحتاج هذا الأمر إلى جهد من الجهتين الرسمية والأهلية، فالرسمية من جهة استصدار نظام للطلاق يشمل الحقوق والواجبات على الطرفين، ومنها وجوب توثيق الطلاق عند حصوله خلال مدة محدودة مع عقوبات رادعة عند التأخير، ووجوب تبليغ المطلقة فور حصوله، مع ما يكفل جلب الحقوق والقيام بالواجبات وتلافي المظالم على الطرفين، وأمّا الجهة الأهلية فتقوم بإنشاء جمعية وطنية للطلاق تتبنى فيه التوعية والتوجيه ورعاية المطلقات والسعي في تحصيل حقوقهن. إن اهتمامنا بحقوق المطلقات يعني لنا الوقاية من مشكلات كبرى، منها: اجتماعية وأمنية وأخلاقية واقتصادية، فضلاً عن الواجب الشرعي بنصرة المظلوم، فإن كان ظالمًا منع من ظلمه لغيره، وإن كان مظلومًا منع من أن يظلمه غيره، ولذا قال عليه الصلاة والسلام (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل يا رسول الله أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟!، قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره). وفي الجانب القضائي؛ هناك تطور كبير بشأن هذه القضية، وعلى رأسه إنشاء محاكم للأحوال الشخصية تختص بقضايا الأسرة ومنها الطلاق وما بعده من حقوق للطرفين، إضافة لمدونة للأحوال الشخصية التي ستغطي جميع فروع هذه القضية من طلاق ونفقة وحضانة وولاية وزيارة وباقي الحقوق، إلاّ أن هناك جهات أخرى لها علاقة بالمطلقة كالأحوال المدنية والشؤون الاجتماعية وغيرهما، ولا بد من إلزام باقي الجهات الحكومية بالعناية بالمطلقات ورعايتهن بما يكفل تحصيل حقوقهن مع كفالة حاجاتهن بشتى أنواعها. وقد صادقت المملكة على وثيقة مسقط للنظام الموحد للأحوال الشخصية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المتضمن في بابه الأول من كتابه الثاني موضوع الطلاق إضافة للنفقة والحضانة والولاية والزيارة، ولو لم يكن ملزمًا سياديًّا إلاّ أنه للاسترشاد المحلي والاستفادة منه بهذا الشأن، حيث كفل حقوق الطرفين وبينها، ووضح المسائل بشفافية وعدالة، وحبذا أن نجد نظامًا مماثلاً له مع زيادة نواقصه بشأن بقية المسائل، كي يكون شاملاً لكافة القضايا المنظورة، ومرجعًا للجميع، فيعرفوا ما لهم وما عليهم، ويكون فاصلاً بينهم عند الخصومة، إضافة لتفعيل توصيات اللقاء الوطني الثالث للحوار الوطني (المرأة.. حقوقها وواجباتها)، وتوصيات ملتقى مبادرة الطلاق السعودي. ولعل جميع هذه الآمال تتحقق بإنشاء «المجلس الأعلى للأسرة» الذي طال انتظاره، فكم رأينا من مصالح وطنية أقل أهمية من الأسرة ومع ذلك أنشئ من أجلها مجلس أعلى لشؤونها، في حين أن الأسرة تحتاج لعناية ورعاية دائمتين، مما يحقق المصالح العامة في المجتمع، ويحفظ الضرورات الخمس بشأنها، فللدين والعرض والعقل والمال والدم ارتباط بالأسرة الذي يحقق مناطها هذا المجلس المنتظر، فالمجتمع لا يقوم إلاّ بالأسر، والأسر لا تقوم إلاّ بالزواج، والزواج لا يقوم إلاّ بالسكينة والمودة، وعلى ذلك فنريد أن يكون المجلس الأعلى للأسرة هو المرجع في كل ما يتعلق بشؤون الأسرة وقائم على تحقيق الأغراض المستهدفة، من تعزيز دور الأسرة في المجتمع، والعمل على رعاية الأسرة، وتعزيز الروابط الأسرية، ودراسة المشكلات التي تواجه الأسرة، واقتراح الحلول المناسبة لها، والعمل على تحقيق الأهداف التي نصت عليها المواثيق الدولية التي تعنى بشؤون الأسرة الموافقة للشريعة الإسلامية، والعمل على تمكين المرأة من المشاركة في الحياة العامة الاجتماعية والإدارية والاقتصادية حسب الضوابط الشرعية، والعمل على تحسين أوضاع المرأة العاملة، والإشراف على رعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة من المعاقين وغيرهم، والتنسيق بين الأنشطة التي تمارسها مؤسسات المجتمع المدني في الدولة من جهة، والمنظمات الإقليمية والدولية من جهة أخرى، ودراسة مشكلات انحراف الشباب والفتيات، واقتراح الحلول المناسبة لها، وذلك بالتنسيق والتشاور مع الجهات المختصة. ومن أجل هذه المسألة استجبت لطلب أخي الأستاذ داود الشريان بمواجهة القضية في برنامجه «واجه الصحافة» بقناة العربية يوم الجمعة الماضية، وقد تم الحوار بين الجميع بما يحقق العدالة ويكشف التصور الحقيقي لهذه المشكلة الوطنية، فربع فتياتنا التي تزوجن هن الآن مطلقات، فهل قمنا بالواجب تجاه هذه المسألة لنعالج المشاكل قبل الطلاق؟ ونعتني بالمرأة بعد الطلاق؟ لأننا حينما ننصفها فإننا نقوم بواجب شرعي وحماية للمجتمع برمته، ولا يعني سكوت الكثير من المطلقات عدم وجود المشاكل لديهن، لكوننا مجتمع محافظ وله عاداته وتقاليده التي تمنع المرأة من الكشف عن مظالمها وإبداء مواجعها، فكم في البيوت من آلام؟ وكم في النفوس من قلوب مكلومة وعيون لا يجف دمعها؟ فهلّا هببنا لنصرة الحق ورفع المظالم؟