تباينت آراء المفكرين والباحثين الشرعيين حول مسألة تطوير موقع المولد النبوي بجوار المسجد الحرام إسوة بالتطوير الشامل الذي طال الحرم المكي والمشاعر المقدسة حيث اعتبر بعض المفكرين أن ذلك المكان وهو (مولد النبي) بمكةالمكرمة معلم إسلامي بارز يحب المحافظة عليه وتطويره وإعلام الناشئة به مؤكدين على وجوب المحافظة عليه, والعناية به, وحفظ مكانته وقيمته؛ لأنه أثر من آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،فيما عارضهم فريق آخر بأن التعلق بهذا المكان وإبرازه وتطويره هو عمل مخالف لسنته صلى الله عليه وسلم فلم يثبت حقيقة مكان مولده عليه الصلاة والسلام فلا يجوز إن ثبت المكان بقاؤه أو التبرك به ولا تعظيمه ، ولا جعله حتى موضعا لتطويره أو إبرازه. والمدينة بدورها أفسحت المجال لهذين الرأيين المتناقضين ليبدي كل فريق دليله الداعم لما يقول. بداية عد المفكر الإسلامي المعروف عضو هيئة كبار العلماء الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان مولد النبي معلما إسلاميا مهما يجب المحافظة عليه من قبل المسلمين في كل زمان. وأن عدم حفاظ الأمة الإسلامية على آثارها، وبالأخص أماكن إقامة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لا يمكن وصفه بالمنطق الصحيح ،مشيرًا إلى أن مسؤولية المحافظة هذا المكان وغيره من الآثار الإسلامية الأخرى تقع على عاتق كل جيل بوصفها شواهد تاريخية حيّة للتاريخ الإسلامي، ولا ينبغي أن نلغي التاريخ بسبب بعض الممارسات والانحرافات العقدية. أثر يدل على حقيقة الإسلام فيما أشارالفقيه والمفكر الدكتور السيد عبدالله فدعق إلى أهمية هذا الموقع لأنه وغيره من الآثار الإسلامية تثبت أن الدين الإسلامي حقيقة لا كونه أسطور. وقال فدعق: لا شك أن البقعة التي اختارها الله تعالى لميلاد نبيه وحبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم تعد من أشرف البقاع والمواضع، فمنها برز نوره الذي عم الكون كله، ورأت منه أمه قصور بصرى بالشام، وظهرت إرهاصات ومعجزات ربه تكريما له. مكان المولد الشريف معلم إسلامي عظيم، يربط المسلم بسيرة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا رآه وشاهده حرك في نفسه المشاعر والروابط الإيمانية تجاه رسوله عليه الصلاة والسلام. فيتأكد المحافظة عليه, والعناية به, وحفظ مكانته وقيمته؛ لأنه أثر من آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن حق الأمة أن تشاهد هذه الآثار الكريمة، والتي ثبتت بالتواتر جيلاً عن جيل, فبه وبأمثاله يثبت أن الدين الإسلامي حقيقة لا أسطورة, وبه وبنظائره يثبت أيضا أنه الدين الوحيد الباقي على وجه البسيطة.يقول الإمام النووي الشافعي رحمه الله في كتابه "الإيضاح في مناسك الحج والعمرة" : (يستحب زيارة المواضع المشهورة بالفضل في مكة والحرم، وقد قيل إنها ثمانية عشر موضعاً، منها البيت الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو اليوم مسجد في زقاق يقال له: زقاق المولد)، وذكر الأزرقي أنه لا خلاف فيه. مكان إسلامي مأثور ووافق إمام وخطيب جامع صالح الأسود بمكة الدكتور محمود زيني ما ذهب إليه سابقيه من وجوب أهمية العناية بالمولد النبي صلى الله عليه وسلم.ورأى زيني أن إزالة هذا المعلم العالمي الإسلامي اعتداء على التأريخ ومشاعر المسلمين وأن إبقاءه يحفظ هذا المعلم الإسلامي قدره ومكانته التاريخية وجلاله ووقاره في نفوس المسلمين،وقد تفضل جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله بمنح المكان الذي ولد فيه الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم للشيخ عباس قطان لبناء مكتبة ضخمة يؤمها رواد العلم وطلابه وصدر صك شرعي بذلك من المحكمة الشرعية الكبرى بمكةالمكرمة. يحرم تطويره وإبرازه من جانب آخر رفض فريق من الباحثين الشرعيين والمفكرين ما ذهب إليه الفريق الأول من وجوب العناية والاهتمام بمكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم مشيرين أن ذلك يعد تعلقا لا مبرر له شرعا بل هو شرك وابتداع لأن العبرة أولا وأخيرا بهديه صلى الله عليه وسلم لا بآثاره وأن التعلق بالآثار نهج شيعي معروف على مر الأزمان.وقال الباحث الشرعي الشيخ عبدالله بن محمد زقيل إن الحديث عن هذه المسألة (مولد النبي المبارك) ينبثق من شقين. الشق الأول : هل ثبت مكان ولادته صلى الله عليه وسلم في تلك البقعة المزعومة ؟ أقول : لم يثبت أن تلك البقعة هي موضع ولادة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا بإقرار كثير من المؤرخين المعتبرين ومنهم الرحالة أبو سالم العياشي في " الرحلة العياشية (1/225) فقد قال : " والعجب أنهم عينوا محلا من الدار مقدار مضجع وقالوا له : موضع ولادته صلى الله عليه وسلم ، ويبعد عندي كل البعد تعيين ذلك من طريق صحيح أو ضعيف ، لما تقدم من الخلاف في كونه في مكة أو غيرها ، وعلى القول بأنه فيها ففي أي شعابها ؟ وعلى القول بتعيين هذا الشّعب ففي أي الدور ؟ ، وعلى القول بتعيين الدار يبعد كل البعد تعيين الموضع من الدار بعد مرور الأزمان والأعصار وانقطاع الآثار " . وقال أيضا : " والولادة وقعت في زمن الجاهلية ، وليس هناك من يعتني بحفظ الأمكنة سيما مع عدم تعلق غرضٍ لهم بذلك ، وبعد مجيء الإسلام فقد عُلم من حالِ الصحابةِ وتابعيهم ضعفُ اعتناقهم بالتقييد بالأماكن التي لم يتعلق بها عمل شرعي لصرفهم اعتناءهم رضي الله عنهم لما هو أهم من حفظ الشريعة ، والذب عنها بالسنان واللسان " وفي محاضرة للشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - " علامة الجزيرة في التاريخ ألقاها في جامعة " أم القرى " بمكة بعد مغرب ليلة الأربعاء 13 جمادى الآخرة سنة 1402ه ، ثم نشرها كبحث في مجلة العرب ( س 17 ج 3-4) بعنوان : " الآثار الإسلامية في مكة المشرفة " ذكر الخلاف في مكان ولادته ثم قال : " ... وهذا الاختلاف في الموضع الذي وُلد فيه النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على القول بأن الجزم بأنه الموضع المعروف عند عامة الناس باسم المولد لا يقوم على أساس تاريخي صحيح ... " . فهذان المؤرخان ينفيان أن يكون الموضع هو الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحسبنا بعلامة الجزيرة العربية في التاريخ الشيخ حمد الجاسر . وأضاف زقيل: أما الشق الثاني : لنفترض أن الموضع الموجود الآن هو مكان ولادته مع عدم التسليم بذلك لهم فإنه لا يجوز التبرك به ، ولا تعظيمه ، ولا بقاؤه ، ولا جعله حتى موضعا لتطويره أو إبرازه ، والشارع الحكيم لم يعظمه ، وإنما جاء التعظيم من أناس جعلوا محبة الرسول صلى الله عليه وسلم مرتبطة بتعظيم ذلك الموضع ، ومن لم يقل بذلك فهو لا يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويريد أن يسبب ويحدث شرخا في الوحدة الوطنية ، وأننا في بلاد لا خوف علينا من الشرك وما يفعله الحجاج عند تلك الأماكن هم يتحملون إثمه ، وهذه والله الطامة الكبرى ، وكأننا كسعوديين أخذنا صكا في عدم وقوع الشرك منا ! ، وحتى ما يفعله الحجاج لا يتحملون إثمه هم فقط ، بل كل واحد يرى أعمال الشرك والبدع يتحمل إثما على سكوته ، وعدم إنكاره . أما يتعلق بالتوسعة الجديدة أظن أن ولاة الأمر في بلادنا لن يغيب عنهم هذا الأمر ، وينبغي أن يحال الأمر إلى المرجعية الشرعية وهما إما اللجنة الدائمة ، أو هيئة كبار العلماء التي كلفها ولي الأمر للبت في مثل هذه الأمور . بدعة وتشبه بالشيعة فيما اعتبر المفكر الدكتور محمد النجيمي كما ورد عن مكتبه أنه لا يجوز إطلاقا العناية بالآثار ويعتبر ذلك بدعة في الإسلام سواء بالفعل أو بالمكان. ولا يجوز التعلق بمكان المولد النبوي ولا يجوز الاهتمام به ولوكان ذلك من الشرع لفعله الرسول صلى الله عليه وسلم والمكان يجعلونه أحياء له تشبها بالشيعة ومن هنا لايجوز تطوير المكان ولا العناية به لأن في ذلك خروجا وابتداعا. وعن أهمية التطوير وإعلام الأجيال بمآثر النبي عليه السلام كهذا المكان قال: لانريد هذا العلم المكاني لكي تتوارثه الأجيال بل نريد سنة الرسول وتطبيقها ولو كان الرسول أراد ذلك المكان وغيره لما كان قوله: (لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد) ولم يذكر في ذلك مكانا أو معلما آخر فالتقديس للمكان لا يجوز لأن ذلك يحيل الأجيال الى التعلق بها دون هديه صلى الله عليه وسلم.فالاعتزاز الصحيح ليس بمولده أو مكان مولده بل برسالته وتطبيقها حق التطبيق.