أوضحت منى ششتر “الإعلامية الكويتية”، في حوار مع ملحق “الرسالة”، كيف بدأ التنسيق مع الأتراك لتسيير أسطول الحرية، وأبانت أنها دخلت غزة لمدة 24 ساعة، ثم وصفت في حوارها مع الرسالة الدمار الذي رأته في غزة، وقالت: “إنها رأت أشبه بهيكل مدينة”، كما أوضحت ششتر أنها كانت تتوقع الهجوم على أسطول الحرية، لكنها لم تكن تتوقع القوة العسكرية الكبيرة التي هجم بها جيش الاحتلال على الأسطول، وقالت ششتر: “إن المجندات الإسرائيليات تولين تفتيشهن ذاتيًا مرتين، وبينت دون مراعاة لأنهن مسلمات وعربيات، وبينت أن الاحتلال أجبرهم على التوقيع على ورقة منصوص فيها أنهم دخلوا إسرائيل بطريقة غير شرعية”، وغيرها من الخبايا في ثنايا هذا الحوار: حبذا لو تسردي لنا كيف بدأ التنسيق مع الأتراك لأسطول الحرية الأخير، وكيف تمّ الترتيب له؟ - تم التنسيق مع الأتراك لتسيير أسطول الحرية الأخير من قبل الأختين الفاضلتين هيا الشطي وسنان الأحمد؛ حيث سبق لهيا الذهاب مع الأتراك في قافلة شريان الحياة في يناير الماضي، ومن ثم كانت البداية للقاء القائمين على أسطول الحرية من قبلها، وبعد ذلك تم التنسيق مع سنان، التي عملت جاهدة مع أهل الخير في الكويت والبحرين على حد سواء على جمع المساعدات وشراء السفينة “بدر” وتمويلها بالمساعدات المطلوبة لأهل غزة المحاصرين. هل سبق أن ذهبتِ إلى غزة، ومتى كان ذلك؟ - نعم سبق لي الذهاب إلى غزة في يناير الماضي لمدة 24 ساعة ضمن وفد من الكُتَّاب الكويتيين، وخرجت منها قبل يوم واحد من وصول قافلة شريان الحياة. هيكل مدينة صفي لنا حال مدينة غزة مثلما رأيته؟ - حقيقة لم أر مدينة، بل رأيت ما يسمى ب “الهيكل العظمي للمدينة”، فالكثير من البنيان قد تساوى بالأرض والبنايات الموجودة ليست إلا بقايا من أبنية قديمة متهالكة، آثار العدوان الإسرائيلي على كل جدار، وفي كل شارع وسكة يقرأ المار لوحات مكللة بالصور يدعو فيها أصحابها الأحبة والأهل لحضور حفلة عرس، لكن أي عرس؟ عرس الشهيد فلان الفلاني، الأطفال الأيتام في الأزقة بلا مأوى، لا أرض زراعية بعد أن جرفتها الآلة العسكرية الصهيونية ولا مصانع، الرجال يعملون على استخراج أسياخ الحديد من المباني المهدمة لإعادة استخدامها في البناء، والأطفال لا يفتأون يجمعون الطابوق والحجارة، لا حياة حقيقية للأطفال، فهم من صغرهم عمال في الشوارع، النساء يجمعن ما تبقى من زيوت الطبخ لتصفيته ومن ثم إعطائه للرجال لاستخدامه بديلًا عن وقود السيارات، الزوارق الحربية الصهيونية تحاصر شواطئ غزة لمنع الصيادين من صيد السمك، وفي مستشفى الكويت هناك تمر عليك الكثير من الحالات التي لا علاج لها، والماء المستخدم ليس سوى ماء قليل الملوحة؛ لأن بني صهيون عملوا جاهدين على شفط المياه القابعة تحت أرض غزة، وضرب محطات تحلية المياه والكهرباء هناك، وغيرها من الحقائق والمشاهد التي يندى لها جبين الإنسانية. توقع بالهجوم إلى أي مدى كنتِ تتوقعين الهجوم على الأسطول من القوات الإسرائيلية؟ - بحكم خبرتي الصحافية وكإنسانة عايشت الصراع العربي الإسرائيلي، وقرأت كثيرًا عن تاريخ بني صهيون، وتمعنت في السيرة النبوية وما فعله اليهود أيام الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم- توقعت أن يكون هناك هجوم على الأسطول، وإن لم تتناسب توقعاتي مع حجم القوة العسكرية التي أرسلت إلينا. ما هي الاحتياطات التي قررتم فعلها في حال تم الهجوم عليكم من الإسرائيليين؟ - نظرًا لأن هدف المشاركين كان في الحقيقة إيصال المساعدات إلى غزة، ومحاولة فك الحصار عن ذلك القطاع، لم تكن هناك أي احتياطات سوى لبس سترة النجاة والتسلح بكلمات الله والدعاء، مع استخدام كل الحقوق القانونية التي نصت عليها القوانين الدولية في هذا الشأن عند الرد على اتهامات بني صهيون. بدء الهجوم الإسرائيلي كيف بدأ الهجوم وماذا فعلتهم حينها؟ - على بعد يزيد عن 130 ميلًا بحريًا عن المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة بدأت تحركات الصهاينة تقريبًا في الساعة الحادية عشرة والنصف مساء حين حاصرتنا ثلاث زوارق بحرية، إضافة إلى مروحية من دون طيار في محاولة للتشويش على أجهزة الاتصالات مع العالم، وتلقى قبطان السفينة "مرمرة”، التي كانت تقل المشاركين اتصالًا من قائد أحد الزوارق يسأله التعريف بالأسطول والوجهة والهدف، فلما أجاب القبطان بأن السفينة تابعة لأسطول الحرية، وفي طريقها إلى المياه الإقليمية لغزة طلب المتصل الصهيوني من قبطان السفينة تغيير الوجهة إلا أن الأخير رفض الطلب، ومن ثم انقطع الاتصال، وبدأت الزوارق بعد ذلك والمروحية بالابتعاد قليلًا قليلًا، وبعد ساعات قليلة وتقريبًا وقت صلاة الفجر كانت أكثر من أربع بوارج حربية صهيونية والمئات من الزوارق البحرية والزوارق المطاطية ومروحيات الأباتشي تحيط بالسفينة، وبدأ إنزال قوات الكوماندوز من بني صهيون عليها، وفي الهجوم تم استخدام القنابل الصوتية والرصاص المطاطي والرصاص الحي، حينها كانت النسوة يقبعن في الصالة الواقعة أسفل السفينة، والرجال هم الذين يقاومون، وكل ما فعلناه بعد ذلك هو المساعدة في إيصال المناشف، وكل ما يلزم لإيقاف نزيف الجرحى الذين استشهد منهم عدد كبير، وأعلن القبطان بعد ذلك سيطرة قوات الصهاينة على السفينة، وأن علينا الامتثال لأوامرهم حقنًا للدماء، وفي التاسعة صباحًا تم تفتيش الرجال والنساء، ومن ثم تكبيل أيادينا، ووضعنا على سطح السفينة لمدة خمس ساعات بلا ماء ولا غطاء، وعندما طلبنا الماء أعطونا اليسير جدًا، وفي الثانية ظهرًا تم اقتيادنا مرة أخرى إلى داخل السفينة لنقبع هناك، وأيضًا من دون ماء أو أكل أو حتى الذهاب إلى دورات المياه إلا لمرة أو مرتين على أكثر تقدير، في تلك الأثناء كان الأسطول في طريقه إلى ميناء أسدود عوضًا عن غزة، وبعد منتصف الليل وصلنا إلى هناك. دفاع عن الأرض لماذا كان العدد الأكبر من الشهداء من الأتراك؟ - لأنهم هم الذين تصدوا للهجوم ودافعوا عن الآخرين لاسيما أن السفينة “مرمرة” كانت ترفع العلم التركي ما يعني أنها أرض عائمة تتبع الدولة التركية، ووفق القانون الدولي فإن الاعتداء عليها يعني اعتداء على تركيا، وبالتالي كان دفاع الأتراك عنها دفاع المستميت عن أرضه وعن ضيوف بلاده. ماذا حصل بعد أن وصلتم إلى ميناء أسدود؟ - تم تفتيشنا ذاتيا مرتين والتحقيق معنا، ومن ثم اقتيادنا عبر سيارات مصفحة شديدة البرودة، ولمدة تقارب الساعتين إلى صحراء النقب -منطقة بير السبع- لإيداعنا في سجن آيل الإسرائيلي. تعهدات باطلة ذكرت أن الصهاينة جردوكم من ملابسكم لما نزلتم من على السفينة، فهل كان هناك عنف لمن يرفض هذا؟ - لم أر أي عنف ولم أسمع بذلك، وكان التفتيش ذاتيًا في غرف خاصة للنساء وكذلك للرجال. علمنا أنهم أجبروكم على التوقيع على ورقة تعهد، ماذا كان في هذه الورقة، وكيف ردة الفعل لمن لا يوقع؟ - كانت الورقة تفيد باعتراف كل واحد منا بأنه مهاجر غير شرعي حاول دخول الأرض المحتلة، التي يسمونها أرض إسرائيل، وقلنا: لهم لن نوقع؛ لأننا لم نأت إليكم، بل أنتم من أخذتمونا من عرض البحر. تمت مصادرة أجهزتكم الشخصية من أجهزة لاب توب وجوالات وغيرها، فهل وعدوا بإرجاعها لكم بعد انتهاء التحقيق؟ - وعدونا بذلك، وطبعًا لا أحد منا صدقهم، وحتى الآن وبعد مرور شهر على الحادثة لم نستلم أي شيء. معنويات عالية امتدح د. الطبطبائي شجاعتك ومعنوياتك المرتفعة في الرحلة والأسر، فكيف ترين معنويات الأخوات معك حينما أسرن؟ - كانت معنويات الجميع عالية فلم نكن نر إلا وعد الله -سبحانه وتعالى- يتحقق بنصرة المسلمين الصابرين، وإليك النتيجة، طمحنا بإيصال المساعدات وفك الحصار عن غزة، والآن وبعد الحادثة نرى العالم كله ينادي بذلك. كيف تمّ الإفراج عنكم؟ - في اليوم التالي من إيداعنا السجن جاء ممثلون عن السفارات الأجنبية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وجاء ممثل عن العرب والماليزيين والأندونيسيين القنصل الأردني، الذي أفاد بتكليف وزراء الخارجية العرب للسفارة الأردنية في الأراضي المحتلة بعمل اللازم للإفراج عنا، وترتيب عودتنا إلى الأردن وهذا ما كان. هل ستعودين من جديد لغزة من جديد؟ - هذا محكوم بإرادة الله -سبحانه وتعالى- وتدبيره، ومتى سنحت الفرصة فلن أتردد في العودة. كثير من الفتيات تنظر بعين الإعجاب لما فعلتموه، فما هي خطوات الانضمام لمن ترغب في المشاركة معكم؟ - هناك الكثير من الإعلانات عن حملات إغاثية مشابهة وكيفية المشاركة فيها، ولكن وللأمانة لم أتابعها منذ وصلت الكويت بحكم انشغالي الشديد بعملي. جهاد الإعلام في الختام ماذا تمثل لك قضية غزة؟ وهل ترين أن الإعلام العربي أعطاها حقها؟ وكيف ذلك؟ - قضية غزة هي قضية كل المسلمين، وأنا وأنت والقراء منهم، فهي قضيتنا جميعًا، ويجب علينا أن نسعى إلى حلها ما أمكننا، وألا نكتفي بأضعف الإيمان بل نريد أقواه، وعن الإعلام العربي، فأنا أرى أنه لم يعط تلك القضية حقها، فكل ما نراه على شاشات الفضائيات، ونقرأه في الصحف يكون منقولًا عن الإعلام الغربي، وهذا يخالف تمامًا الواقع الذي لمسته عندما ذهبت إلى غزة، والسؤال متى نتخلص من التبعية للإعلام الغربي، الذي تديره الآلة الصهيونية، وإلى متى هذا التخاذل في نصرة إخواننا، وإذا كنا نخاف من الجهاد فعلى الأقل لنكتفي بأضعف الإيمان وهو جهاد اللسان، وهو ما يحتاجه الإعلام، فهل هذا صعب على الإعلام العربي؟!