عرفت أستاذنا الدكتور محمد بن عبدالعزيز الموافي في المدينةالمنورة قبل عقدين يوم كان أحد أعضاء هيئة التدريس في كلية التربية، عرفت رجلًا كريمًا سمحًا على خلق «ابن بلد» كما يقول إخواننا المصريون، مكث في دار الهجرة نحو تسع سنوات، كان كثير الصديق ومرد ذلك خلقه الدمث ولطفه، فهو رجل محبب يألف ويؤلف لا يسمع منه من عرفه ما يشين، وكنت ألتقي به كلما سعيت إلى دار الحنان والسكينة، يجمعنا بعض الصديق مثل الدكتور محمد فلاته ولداته الذين نلقاهم في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثم عاد الدكتور الموافي إلى مصر حيث أصبح عضو هيئة التدريس في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وكان يسكن بقرب الجامعة في «مدينة المبعوثين»، وكنت حين أذهب إلى معرض الكتاب الدولي في القاهرة أو عبر رحلة شتوية، كنت اصطنع معه أسلوبًا حين زيارته حيث يسكن، فأذهب مع بعض الصديق، ويطرق الباب واختفى جانبًا حتى إذا فتح الباب وسلم على الطارق أظهر أنا فتكون فرحة الرجل الكريم الطيب، وكنت أذهب مع صاحبي من خلال موعد، ويمتد الترحاب من ابن البلد ويأخذ الحديث مجراه بعد جلوسنا حول الأدب والمعرفة، ونمكث عنده ما شاء الله أن يمتد الحديث، ولا نغادر دار الرجل الكريم إلا على موعد إلى طعام كثير من رزق ربنا، ذلك أن الرجل كثير الحفاوة وهي حال الكرام في كل مكان، والدكتور الموافي الذي عرفت حاله مع من يعرف حال أهله في مسقط رأسه في قرية «تلبان» من ضواحي المنصورة التي أنجبت أحمد حسن الزيات صاحب مجلة «الرسالة» وعلي محمود طه صاحب قصيدة الجندول والشاعر المحلق الشهير الذي يسوح في الأرض، في «كان» و“نيس” و“البندقية” وحول نهر الراين، و“بحيرة كومو” في إيطاليا، وله شعر جميل وقصائد شهيرة، ونقرأ في «كومو»: «تلك كومو مدى النظر»، ونسرح مع الملاح المحلّق في عالم الفضاء والجمال، نقرأ ذلك في دواوينه سوانح من الشعر الخلاّب الجميل، نقرأ في قصيدته وهو ينشد شعره وشبابه المغرد عبر جمال صنع الله الذي أتقن كل شيء. لعل حديثي عن الفقيد العزيز حدا بي على أولئك الأعلام من أبناء المنصورة، رحم الله الراحلين إلى ساح البر الرحيم. ويمتد الحديث عن الفقيد الكريم، صاحب الوفاء الموافي رحمه الله. والذي صحبته في كتابه: «الجواهري آخر الفحول» وهو رسالته للماجستير، ودراسته هذه أخذت منه جهدًا متواصلًا مع الشاعر الكبير، فقد أقام الدكتور الموافي في العراق أكثر من شهر ثم تواصل ترحاله إلى هناك، فهو مع صحبته للشاعر والاستماع إليه، كان يعيش مع بيئته فيتلاقى بالأدباء المعاصرين للجواهري ورؤاهم لشعره وحياته. درس إذًا الدكتور الموافي بجانب الشعر حياة الشاعر الكبير وترحاله وهجرته إلى إحدى الدول الشرقية التي كان يحكمها الاتحاد السوفيتي، وذلك حين تضيق به الدار في بلاده حتى إنه أقام سنوات في آخر أيامه في سوريا، فهذا الشاعر كأمثاله الذين يلاقون الكثير من العنت فيترحلون ليس للعيش فقط وإنما ليكتبوا أشعارًا حرة ويتحملون ويلات الغربة. فهي ملجأ كرب والغربة كربة كما يصفها من عاشها مكرهًا! وقرأت أطروحة الدكتور الموافي: «آخر الفحول»، واستمتعت بهذه الدراسة القوية المتميزة بمكانة الجواهري وجهد الدارس الذي اختاره لمكانته الكبيرة وليكتب عنه ما يليق به وما يستق الدارس أن يقدم لقارئه ما ينبغي أن يجد ما يفيد، وكتبت ونشرت عبر مطالعاتي ما عنّ لي، واختار الدكتور الموافي لأطروحة الدكتوراة «المسرح بعد شوقي».. وداهم الداء الخبيث –الصديق الفقيد نسأل الله السلامة– فحل في الكبد، وبدأت رحلة المعاناة ثلاثة أهلة، ثم قضى رحمه الله يوم الخميس 12 رجب 1431ه في مسقط رأسه ووري جثمانه يوم الجمعة، فحزن عليه أهلوه وأساتذة دار العلوم في جامعة القاهرة، وفقدت من عرفت أخًا كريمًا محبًا سمحًا. وهكذا الحياة فهي نزول وارتحال.. والعزاء موصول لأهله وأصهاره ومحبيه في مصر والمدينةالمنورة، رحمه الله رحمة الأبرار ورطب ثراه وغفر له إنه سبحانه هو البر الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وإنا إلى الله راجعون.