قضية تناقص إنتاج المواد الغذائية على مستوى العالم مقارنة بزيادة أعداد السكان، وارتفاع أسعار تلك المواد بالتالى، ما زالت مطروحة لم تختف. وهى ليست بالجديدة في الأدبيات الاقتصادية، تحدث عنها الاقتصادي الإنجليزى مالتس قبل مائتي سنة، عندما اعتبر أن سكان بريطانيا يتزايدون بمتوالية هندسية بينما يتزايد إنتاجها الزراعى بمتوالية حسابية، أى أن معدلات الزيادة في عدد السكان أسرع بكثير من معدلات زيادة إنتاج الغذاء، مما يهدد بحدوث مجاعة حذر من تفشيها في غضون بضع عقود من السنين. كما ترى فإن التوقعات الاقتصادية المتشائمة أمر مألوف؛ لأن الاقتصاد بطبيعته علم متشائم. لو أن النموذج الاقتصادي الذى بنى عليه مالتس توقعاته يتجسد كأقوى ما يكون في حالة تاريخية ، فإنها حالة دول الخليج والجزيرة العربية، المسألة على علاقة وثيقة بموضوع النفط والتغير الاجتماعي الذى تحدثت عنه من قبل، فعدد السكان من المتغيرات الاجتماعية، والتقديرات الإحصائية تتوقع أن يتضاعف عدد سكان الخليج فيما بين عامى 2000 – 2030 م ، المنطقة تشهد أحد أعلى معدلات الزيادة السكانية فى العالم، بينما إمكانياتها الزراعية أقل من محدودة. في وقت ما اعتقدنا بأن خطط التوسع الزراعي قد تحل المشكلة، وتأكدنا الآن بأن هذا غير صحيح، لأنه يؤدى الى استنزاف موارد المياه غير المتجددة بحيث لا يمكن الاستمرار فيه. ترى ما الذى أبطل توقعات مالتس لنموذج بريطانيا القرن19، رغم انها بنيت على مقدمات صحيحة ؟ .. أبطلها نمو التجارة الدولية. نفس المخرج متيسر لنموذج الخليج المعاصر. بتعبير آخر، عالم مترابط يحل مشكلاته بحلول تكاملية، سأقولها ورزقى على الله، إشكالية نحن والآخر صورية ومفتعلة، تقوم فقط في ذهنية غير سوية ومتخلفة، متخلفة بمعنى انها لا تنتمي الى العصر ولا الى المستقبل، ويخطئ الظان بأنها ذهنية ذات تصنيف جغرافى (هنا وهناك) أو اقتصادى (تقدم وتأخر) ، هى موجوده بين البعض في كل مكان وكل الحالات، وهى المسؤولة عن إعاقة الحلول التكاملية. لم ينج منها من يقيدون التكامل إلا بين بلدان عربية أو إسلامية، هم فقط يريدون إذابة إشكالية (أنا والآخر) في كينونة أوسع قليلا دون أن يتخلصوا منها، وهم مخطئون، لأنها إما أن توجد أو تبطل، لأنها تتحرك لا بإرادتهم إنما بمنطقها الذاتي، فإما أن تقوم أو لا تقوم، فإن قامت في وعاء مهما كان اتساعه، هى قابلة للردة والضيق إلى مبدأ «أنا وبعدى الطوفان» ، بينما لا ينجو من الطوفان من هو بحاجة إلى الغير.