• طوال الأيام الماضية لم يكن حديث في مجتمعنا السعودي يطغى على أحداث القرصنة الإسرائيلية ومقتل 19 ناشطاً إنسانياً وجرح خمسين آخرين ثم إبحار السفينة الإيرلندية راشيل كوري صوب غزة وعلى متنها أحد عشر ناشطاً إنسانياً، خمسة ايرلنديين والبقية ماليزيون متحدين بذلك التهديدات الإسرائيلية. • أحاديثنا المجتمعية انبهرت بما قام به كل المشاركين في قافلة الحرية وفي السفينة كوري في استغراب عن الأسباب التي تدفع أمثال هؤلاء إلى المخاطرة بأرواحهم من أجل غزة وأهلها وهم يعلمون الوحشية الإسرائيلية التي لا يهمها قانون ولا نظام ولا مبادئ. فغربيون من إيرلندا والنرويج وبلجيكا واليونان والسويد ومعهم أتراك يخاطرون بحياتهم من أجل كسر حصار عن أناس لا يربطهم بهم مجتمع أو دولة أو قومية يثير تساؤلات خاصة لنا هنا في عالمنا العربي. فنحن وبكل أسى ومع التحولات الاقتصادية جعلنا معايير تقييمنا للأشياء، إنسانياً أو غيره، مادياً ومصلحياً بحتاً؟!. • أتفق مع المستغربين عن الأسباب التي تدفع إيرلندياً أو نرويجياً إلى ترك رغد العيش و(رواقة) البال وتوفر الخدمات في محيطه المجتمعي ويتكبد عناء ومشاق وأهوال سفر محفوف بالمخاطر التي تصل إلى فقدان الحياة، وذلك لأننا وبأسى وألم لم نعد نفهم أو حتى محاولة فهم المشتركات الإنسانية التي تربط بين أبناء البشر. فليس من الضرورة في عالم الطهر والنقاء أن تكون القضايا التي يدافع عنها الأحرار والشرفاء قضايا مُشْتركُها الدم أو اللغة أو العائلة أو المكان بل هناك مشتركات إنسانية تُلغي كل المعايير القديمة والبالية لتجعل أهم أهداف بني البشر سيادة المبادئ والحقوق متساوية بين الجميع بغض النظر عن اللون أو العرق أو اللغة أو الدين!!. * النشطاء الأحد عشر على ظهر السفينة الإيرلندية من هكذا فهم، أرادوا تخليد شابة أمريكية في عملها الإنساني البطولي حينما وقفت وهي في ريعان الشباب أمام الدبابات الإسرائيلية داخل أرض فلسطين لتمنع تدميرها وقتلها وسفكها لدماء فلسطينية بريئة فسحقتها الدبابات دون رحمة ودون وازع من ضمير أو خلق أو أعراف أو قوانين. ميشيل كوري هو اسم الفتاة الأمريكية التي لم تبلغ العشرين من عمرها بعد وتركت العيش الرغيد وحياة الرفاهية في الولاياتالمتحدةالأمريكية لتسجل بدمها موقفاً بطولياً خالداً في عرف الإنسانية ومستغرباً في عرف وادراك بعضنا؟! * شهداء قافلة الحرية وبقية مشاركِيها ونشطاء السفينة الإيرلندية والشابة الأمريكية ميشيل كوري كلهم جَمَعَهم مشترك إنساني تعلَّموه في صغرهم وبيئاتهم وهو ان المبادئ لا تتجزأ وان الحقوق ليست نسبية.. أما البيئات التي تُعلِّم أبناءها كسر القوانين وتفسير الأنظمة حسب الأمزجة وتبرير التجاوزات وزرع الفهلوة والفذلكة في أذهانهم فلا تُخلّد سوى ذوات انفصامية ومزدوجة وشيزوفرنية وهكذا ذوات لا يمكنها بأي حال من الأحوال فَهْمُ أي شيء إلا من معيار واحد وهو المصالح الشخصية البحتة!!