تزايدت الدعوات مؤخراً لإنشاء الهيئات الحكومية المتخصصة فالبعض ينشد هيئة للطفل وأخرى للمرأة ولعلي أضيف اليهم مطالبة بهيئة للرجل من قبيل أنه «مافيش حد أحسن من حد «، وآخرون يطالبون بهيئة للعقار وهيئة لكل منطقة وهيئات للتطوير هنا أو هناك حتى أصبحنا نحسب أن كل مشكلة إدارية أو قصور في الأداء لا يمكن أن يعالج إلا بهيئة متخصصة، وفي تقديري أن إنشاء الهيئات أو اللجان قد يكون في كثير من الأحيان انعكاساً لخلل في التنظيم الإداري السائد أو لسوء تطبيق ذلك التنظيم، ولذلك فإن انشاء الهيئات يصبح هروباً من مواجهة المشكلة الأساسية وتقاعساً عن اصلاح الخلل ومجرد تضخم في الجهاز الإداري الحكومي على حساب ما يمكن أن يخصص للمشاريع والاستثمار، كما أن الهنات الأساسية تظل معششة في الإدارات التي انسلخت منها هذه الهيئات وجاهزة للانقضاض على انجازات الهيئات ولو بعد حين. من أغرب الدعوات إلى إنشاء هيئات ما استمعت إليه مؤخراً في برنامج « بوضوح « الذي يقدمه الإعلامي الناجح الأستاذ طلعت حافظ في القناة السعودية الأولى، في الحلقة التي شاهدتها تسابق مقدم البرنامج وضيفاه إلى إظهار محاسن الدعوة إلى إنشاء هيئة عليا للمشاريع تتولى تنفيذ جميع مشاريع الدولة بدءاً من سفلتة شارع صغير في احدى القرى أو الهجر وانتهاء بتنفيذ المشاريع الصناعية والعسكرية والعمرانية الكبرى وهي بذلك سوف تصبح كما يقول المثل الأمريكي جوكر كل المهام وخبير لا شيء!! كيف غاب عن الضيفين الخبيرين وأحدهما عضو في مجلس الشورى والآخر استاذ أكاديمي أن مثل هذا الجهاز سوف يصبح مثالاً للمركزية والبيروقراطية وعنواناً للتعطيل؟، وكيف غاب عنهما أن كل رئيس بلدية أو مدير تعليم أو مدير للشؤون الصحية أو أي مسئول آخر سوف يجد العذر جاهزاً لديه في حالة عدم الإنجاز بأن المشكلة تكمن في أن الهيئة لم تعتمد له مشروعه أو تضعه في جدول الأولويات؟ وكيف يمكن لجهاز واحد كهذا أن يجمع كل الخبرات اللازمة للاضطلاع بمختلف أنواع المشاريع؟ وكيف غاب عن مقدم البرنامج أن يناقش في الحلقة وجهة نظر مخالفة حتى لا نصبح جميعاً من ذوي الرأي الواحد وكأن هذه الدعوة قد باتت يقينا لا شك فيه؟. مثل هذه الدعوة هي دعوة إلى المركزية والأوجب هو أن نسعى نحو اللامركزية والتبسيط وأن يتم تفويض الصلاحيات إلى مستوى إدارة المدن ومد هذه الإدارات بالكفاءات الفنية والمرونة الإدارية والقدرات المالية وإخضاعها للرقابة والتوجيه من مجالس بلدية منتخبة تستطيع أن تضع الأولويات وأن تمارس المحاسبة والمتابعة وأن تعود في ذلك كله إلى أمير المنطقة الذي يوجه هذه العجلة ويساعد على إيصالها إلى أهدافها المنشودة. أتمنى أن يكون علاج أي مشكلة إدارية عن طريق التبسيط واللامركزية والادارة المحلية والرقابة الشعبية وألا نلجأ إلى ما ألفناه من حلول أكاديمية أو بيروقراطية ثبت إخفاقها في الميدان ولا جدوى من إعادة تجربتها على مستوى الوطن بأسره.