نادراً جداً ما يتضمن مقالي أسماء شخصيات لها علاقة بموضوع المقال. لكن هذا يبدو أمراً ضرورياً بين الحين والآخر. خاصةً حين تريد أن تخرج من التعميم والتجريد الذي يمكن أن يوحي بأنك تتحدث عن نماذج خيالية أو مُفتعلة، وليس عن نموذجٍ محدد يوجدُ عملياً على أرض الواقع. يعرف القارئ الكريم أن حضور المؤتمرات جزءٌ من نشاطات العاملين في حقول الإعلام والثقافة. ومهما حاول المرء اختصار هذا النشاط والتركيز على ما هو هامٌ فعلاً من تلك المؤتمرات، يبقى ضرورياً حضور بضعة مؤتمرات في كل عام على الأقل. وقد بدأت تلفتُ انتباهي في السنوات الأخيرة على وجه الخصوص ظاهرةُ اللقاء في المؤتمرات المذكورة بسيداتٍ من السعودية يحضرن في أغلب الأحيان بصفتهن الشخصية، وبناءً على إنجازاتهن في مجالات عملهن وحقول اختصاصهن، إلى درجةٍ دفعت كثيراً من الجهات التي تنظم المؤتمرات إلى الاهتمام المتزايد بوجودهن. سواء كانت تلك الجهات دولاً أو منظمات دولية أو إقليمية. وبغضّ النظر عن أي مقولة، فإن وجود مثل هذه الشريحة يغير بشكلٍ مؤكد الصورة النمطية ليس فقط عن نساء المملكة، وإنما عن المملكة بشكلٍ عام. وبعيداً عن الشعارات، فإن تغيير تلك الصورة النمطية مطلوبٌ وضروري، خاصةً حين تتشكل في إطارٍ من الممارسات المحترمة والقانونية والمهنيّة المحترفة. مرةً أخرى، يمكن تسليط أشعة الحرمان على الموضوع إذا تحدثنا عنه بشكل عام. ويمكن بسهولة القفز فوق جوهر المعاني التي يريد المرء إظهارها. لهذا، لا يبدو ثمة بدٌّ من الحديث عن شخصيةٍ محددة لم تمانع في ذكر اسمها «مادمنا نذكر اسم عائشة وخديجة وغيرها من زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام». نعلم جميعاً أنه يمكن لأي إنسان أن يتواجد في مكانٍ ما، ويتمثل هذا الوجود في أن ترى الشخص المقصود بعينك في ذلك المكان. وفي مقابل الوجود، فإن ثمّة (حضوراً) يتمثل في قدرة هذا الشخص على أن يكون نفسياً وعملياً محطَّ الأنظار وبؤرة للاهتمام والمتابعة. وهذا الحضور الأخير هو ما يلفت النظر بالنسبة للشخصية التي نتحدث عنها هنا. فابتداءً من زيّها المحتشم والأنيق، ومروراً بتمثلها الوسطيّ الراقي والمتوازن لتعاليم الإسلام في تعاملها مع الآخرين من جميع الأجناس والألوان والخلفيات، وانتهاءً بقدرتها الفذة على الحوار والتواصل بالعربية والإنجليزية. رأيتُ ما يؤكدُ معنى الحضور بكل أبعاده لدى الأستاذة المثقفة نادية محمد رفعت شيخ، وكانت آخر مرة أرى فيها مصداق ذلك المعنى منذ أسبوعين في منتدى الدوحة الضخم الذي عُقد في العاصمة القطرية بحضور قادة ومسؤولين ومثقفين وإعلاميين من جميع أنحاء العالم. المعروف طبعاً أن من أهمّ ما يحصل في مثل هذه المؤتمرات هو التعارف بين الحاضرين من ذوي الاهتمامات المتشابهة أو المتكاملة. وبالتالي فالحوارات الجانبية ركنٌ أساسيٌ فيها. وقد لفت انتباهي مرةً تلو أخرى كيف يحرص حتى كبار الشخصيات والمتحدثين في المؤتمر على المبادرة للتعرف عليها وعلى نشاطاتها. فقد كانت تستجلب الأنظار بتعليقاتها أو أسئلتها أو إجاباتها على الأسئلة التي تُحوّلُ إليها خلال الندوات، وبما أنها كانت تُعرّفُ نفسها على أنها من المملكة فقد كان هذا عاملاً إضافياً للاهتمام بها والحوار معها في ألف قضية وقضية يمكن للقارئ أن يتخيل طبيعتها. سألتُها بصراحة عن تفسيرها للظاهرة وعن رأيها حول سبب الاهتمام بها فقالت بتواضع: «إنهم يهتمون بالتعرف علي بسبب مظهري الخارجي والتزامي بالزي الإسلامي أولاً وقبل كل شيء آخر، خاصة في هذه المناسبات التي يندر فيها للأسف وجود من يمثل المرأة المسلمة. وهي بالمناسبة المرأة التي لا يملّ الكثيرون من ترديد الشعارات بأنها ليست أقلّ من الرجل قدرةً على الإنجاز والتحصيل الفكري والعلمي.. لكننا نعرف درجة تطبيق تلك الشعارات على أرض الواقع.. ثم إن الاهتمام يتزايد لأنني من السعودية.. حيث يرون نموذجاً يمثل المرأة السعودية يكاد يناقض كل فكرةٍ نمطيةٍ يحملونها عن تلك المرأة.. بمعنى أن الاهتمام ليس من أجلي أنا شخصياً، فأنا أعرف الكثيرات من نساء المملكة والخليج ممن يمتلكن ما أمتلك وربما أكثر من الإنجازات ومهارات التواصل، لكن حضورهنّ في مثل هذه المناسبات غير ممكن لسببٍ أو لآخر». فكّرتُ في هذا التفسير وأدركت أنه يحمل كثيراً من المصداقية. لكنني أدركت أن هذا يلقي عبئاً ثقيلاً على أمثالها، رغم أنه في نفس الوقت قد يكون فرصةً كبرى يمكن استثمارها، خاصة في هذه المرحلة من تطور المملكة، وذلك عبر إظهار قدرة مثل هذه الشخصيات على تمثيل السعودية على مستويات عديدة. الطريف أن أحد الأصدقاء المشاركين الأذكياء، وهو عضو برلمان صاعد من ماليزيا يطلقون عليه لقب أوباما ماليزيا، أبدى دهشته لشبكة العلاقات العالمية التي اكتشف أنها تمتلكها من خلال رؤيته لها ومعرفته بها في هذا المؤتمر فقط. ثم ذكر بعفويّة أنها يجب أن تكون سفيرةً لقدرتها على تمثيل بلدها وثقافتها وشعبها بشكلٍ متميز ومتوازن. فلم يكن من الأستاذة نادية إلا أن ابتسمت وقالت: «لقد كنت في صغري أحلم بأن أكون طبيبة، ثم ساقتني الأقدار إلى مجالات الإعلام والعلاقات العامة. ولشدة إيماني بالأقدار التي ترسمها الإرادة الإلهية لكل إنسان، فإنني لم أعد أستغرب إمكانية حدوث أي شيء حين يأتي أوانه. المهم بالنسبة لي أن أستمر بتمثيل وطني وديني وثقافتي بما أستطيع، وبما يمليه علي ضميري، لأن هذا هو ما حقق لي حتى الآن درجةً من السعادة الداخلية الحقيقية التي يبحث عنها الكثيرون». كنتُ أستمع إلى الحوار الدائر بينها وبين السياسي الماليزي وأزدادُ قناعة بضرورة دراسة وتحليل هذه الظاهرة والحديث عنها، فلم أعلّق على ما قالته. لكن إجابتها قدحت في ذهني على الفور عنوان هذا المقال وكل ما فيه من أفكار وتأملات. * كاتب عربي