** ليس العنوان ضرباً من أحجية «علي بابا والأربعين حرامي» ولكنها خاطرة تذكرتها وأنا أتابع أحدى الحلقات التلفزيونية للمفكر الإسلامي الشيخ سلمان العودة . والعودة بالمناسبة على الأقل لي شخصياً أصبح ذلك المفكر الإسلامي الذي يحمل فكراً نورانياً فيه الكثير من العمق و الاتزان . وعندما يصل العالم عندنا إلى درجة (المفكر) ويأخذ توجهه «الاتزان» فإن هذا نحتاجه بدرجه شديدة في مثل هذه المرحلة التي تعيش حالة من ( تعتيم ) الفكر أفضت بالبعض إلى الركن القصي من التشدد و التطرف. العودة الآن هو ( عالم مرحلة) بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وفي ظل ( العتيم ) القاتم تبحث عن ( المشكاة) التي تفيض منها إشعاعات «الوسطية» والاعتدال ! ** والقضية ليست ( هنا ) وإنما جأت عرضاً فالشيخ العودة كان يتحدث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حديثاً عقلانياً هادئاً ورصيناً وشفافاً ! ومما أعجبني قوله: يجب أن تحدد أولاً ما هو المنكر الذي يجب أن ننكره وما هو المعروف الذي يجب أن ندعو إليه !! ففهم المحددات يقضي إلى فهم الواجبات والحقوق ويسهل من عملية تنظيمها والسعي عليها !! ** أقول تذكرت هذا وأنا أسمع الشيخ وسرح فكري إلى مساء سابق كنا نتناقش فيه مع مجموعة من الزملاء عن أثر الإعلام من الناحية المجتمعية و الأمنية ! **زملاء كانوا ينظرون ( لفضيلة ) الإعلام في إبراز دور والشرفاء في هذا المجتمع وفي المقابل إلى ( تعرية ) اللصوص والمفسدين ! ولم يكن أحد ينكر على أصحاب هذا (التنظير ) فيما ذهبوا إليه من قول بليغ في عمومياته ومراميه. فلا أحد يختلف على ( فضيلة ) الشرف وعلى سابقة الشرفاء ! ولا أحد يختلف على ( قبح ) الفساد ولا على جانحة المفسدين !! ** ولكن تظل القضية في من هم الشرفاء ؟ ومن هم المفسدون ؟؟ هنا بيت القصيد. والمسألة في نظري لم تكن قد (عميت) علينا، ولكن في المرحلة الرمادية تتقلب المفاهيم ويتم تغييب الحقائق الصحاح ليمر من الردهات السوداء مفاهيم المصالح التي يحاولون إقناعنا بها! ** في الدول التي تشهد فسادًا في أنظمتها وفي القائمين عليها يتحول من يتلاعب بمصالح بلد ومن يسرق مقدراته ومشاريعه إلى إنسان شريف! ومن وجد مسمارًا على قارعة الطريق وأخذه فهو حرامي ولص ومن المفسدين في الأرض!! وكأني هنا بأهمية محددات الشيخ سلمان العودة عن (المنكر والمعروف) تنطبق على الشرف والفساد فمن هم الشرفاء ؟ ومن هم المفسدون ؟ ** ثم أن الذي زاد المشكلة تعقيدًا هو هذا الإعلام الذي أصبح صوتًا يضرب في كل بنان !! . فسهل أن يمجد مفسد ويجعله أشرف شرفاء العالم ولا أحد يسأله لماذا ؟؟ وأسهل من شربة ماء أن يجرِّم شريفًا ويعتبره المفسد واللص والخائن والعميل... وأيضاً لا أحد يسأل لماذا .. ؟؟ ** وحتى إذا ما حاول أحد أن يبرئ ساحته فلن يصل إلى نتيجة... الإعلام رمى والناس أخذوا الفكرة الأولى ولا ينفع في الليلة المطيرة ظل قشة!! وليس بمقدور أحد أن يطوف كل الوجوه ليقنعهم بأنه بريء ولن يقنعهم حتى ولو كان ببياض الحليب!! وبالمقابل فلن تقنع احدًا بفاسد وقد نصبه الإعلام من الشرفاء وحتى ولو كان قد قدّ قميص يوسف!! ** إذا نحتاج إلى الإصلاح ولكن الإصلاح الذي نريده هو ذلك الذي يشمل الثلاث معاً (المفاهيم والأنظمة والناس)!! ** هذه ناحية، أما الناحية الأخرى فرغم أنني مع الإعلام في حقه أن ينشر الأحداث والقضايا والجرائم من باب زيادة الوعي عند الناس ولتعزيز جوانب الحرص والتحريز، لكن يجب أن يكون هناك خطاً فاصلاً وحاداً تماماً ما بين خصوصيات الناس والحوادث بتجردها!! الآن أي قضية يحاول الإعلام أن يصل إلى ما بين الحجر والطين.. ماذا كان يأكل وماذا يشرب وماذا يلبس وأين ينام ونسأل الأم والأب والعجوز والطفلة وربما حتى (صخال) البيت؟ والكثير مما ينشر فيه تعد على حياة الناس وحرماتهم وخصوصياتهم، والمشكلة أن الإعلام يعد ذلك سبقًا وليت إعلامنا يراعي هذه الخطوط والفواصل ففي النهاية القارئ لا يهمه من الحدث إلا الحدث نفسه أما غير ذلك فلا يعنيه. ** بقي أن أقول بأننا بألف خير، ورغم ما يقال عن الفساد إلا أن أحساسنا به والدعوة إلى محاربته في حد ذاتها تعتبر مرحلة جيدة في التصحيح و الإصلاح. خاتمة : فهم الذات بداية أولى لفهم الآخرين.